من الصعب على المراقب أن يمرَّ مرور الكرام على التطور الجديد في الموقف الخليجي، سواء أكان المتعلق ببيان المجلس (مجلس التعاون)، أم برسالة العاهل السعودي، وهو تطور جاء بعد مرحلة أولى حصل النظام السوري خلالها على مساندة خليجيَّة في مواجهة الاحتجاجات الشعبيَّة، ثم تطور الموقف نحو قدر من الحياد، إلى أن بلغ المستوى الأخير من حيث النقد الواضح، وربما التهديد بعدم السكوت، مع التذكير بأن الموقف القطري الحاسم مع النظام السوري كان سابقًا على ما عداه، الأمر الذي تجلَّى بوضوح من خلال تغطية الجزيرة وسحب السفير القطري في دمشق، مع العلم بأن العلاقة السوريَّة القطريَّة كانت متينة إلى حدٍّ كبير قبل اندلاع الاحتجاجات في الشارع السوري. نفتح قوسًا لنشير إلى أن كلام أنظمة الخليج عن تبني النظام السوري لإصلاحات سياسيَّة يبدو محرجًا لها أيضًا، وبالطبع لأن أحدًا منها لم يطبقْ مثل تلك الإصلاحات، بمن فيها البحرين التي صاغت تعدديَّة جيدة، لكنها كانت مفصلةً على مقاس الوضع القائم، مع الحرص على ألا يأخذ الشيعة من النظام السياسي ما يعكس نسبتهم السكانيَّة. اللافت بالطبع أن يأتي الموقف الخليجي منسجمًا مع تصعيد تركي واضح حيال ما يجري في سوريا، إضافة إلى تصعيد مشابه في الموقف الدولي شمل روسيا هذه المرة، والتي تحدث رئيس وزرائها عن "مصير محزن" للأسد إذا لم يبادرْ إلى إصلاحات جديَّة. والحال أن الصلة بين هذه النقلة في الموقف الخليجي وبين تصعيد اللهجة الدوليَّة حيال النظام في سوريا لا تبدو قويَّة، وإن ساهم في إحداثها بهذا القدر أو ذاك، إذ إن عوامل أخرى تبدو أكثر أهميَّة هي التي تسببت في الموقف الجديد. ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن الموقف الخليجي من عموم الثورات العربيَّة (باستثناء قطر) كان سلبيًّا إلى حد كبير، وذلك اعتقادًا من الأنظمة الخليجيَّة بأن فتح شهية الشارع العربي على التغيير لن يقف عن حدّ، وسيشمل الجميع في نهاية المطاف، وبذلك يكون الخيار الأفضل هو وقف المسلسل، مع محاولة إجهاض تطور الثورتين التونسيَّة والمصريَّة على نحو يحول دون أن تصبحا من النماذج الملهمة للشوارع العربيَّة. هل يمكن القول بأن الموقف الجديد من سوريا قد غيَّر هذه الحقيقة المشار إليها؟ الأرجح أن شيئًا لم يتغيرْ ولا زالت الأنظمة الخليجيَّة ترفض استمرار المسلسل وتعمل على وقفه بكل الوسائل الممكنة. الموقف من سوريا له صلة بأمرين اثنين، أولهما الموقف من إيران التي تتدخل في الشأن السوري بطريقة سافرة، وتمد النظام بالمال والسلاح والخبرات، بينما يتعلق الثاني بموقف الشارع الخليجي نفسه. في الجانب الأول تعتقد الدوائر الخليجيَّة -وهي محقَّة من دون شك- أن خروج سوريا من المعسكر الإيراني يعني ضربة استراتيجيَّة لإيران، وحين تضعف إيران سيؤثر ذلك على الأقليات الشيعيَّة في الخليج، والتي تشكل قلقًا لعدد من الأنظمة، ولذلك قد لا تجد تلك الدول حرجًا في إحداث تغيير، أي تغيير في بنية النظام السوري يخرجه من المعسكر الإيراني، الأمر الذي قد لا يتطلب بالضرورة إسقاط النظام، لكن سقوطه لن يكون مشكلة أيضًا، لا سيَّما أن أحدًا من القوى المتوقع صعودها بعد الأسد لن تكون معادية للدول الخليجيَّة. لعلَّ العامل الأهم في تغيير الموقف الخليجي إضافة إلى الموقف من إيران هو ذلك المتعلق بمجاملة الشارع الخليجي نفسه، والسعودي منه على وجه الخصوص، ذلك أن انتشار المد السلفي (الحشد الطائفي بات يشمل أكثر المتدينين) في هذه البقعة يجعل الموقف من النظام السوري الذي يصنف "علويًّا نصيريًّا" محسومًا لجهة التكفير، مما يؤدي إلى تأييد واضح للانتفاضة الشعبيَّة، وقد برز ذلك من خلال مواقف علماء ودعاة مقربين من الدوائر الرسميَّة، لكنهم في الملف السوري لم يجاملوا وذهبوا في اتجاه تكفير النظام ونصرة الجماهير، وقد كان صعبًا على الأنظمة تجييش الناس ضد إيران والشيعة فيما هي تسكت على جرائم النظام السوري (حليف إيران). أيًّا يكن الأمر، فقد كان الموقف الخليجي مهمًّا من دون شك، ويمكن أن يؤثر في مسار الصراع إذا تمت ترجمته دعمًا سياسيًّا وإعلاميًّا للشعب السوري وقواه المعارضة، والأمل بالطبع أن لا يبقى مجرد مجاملة عابرة للجماهير الخليجيَّة المتعاطفة مع الانتفاضة السوريَّة لا يترتب عليها شيء عملي المصدر: الاسلام اليوم