ما يجري في العراق منذ أيام وبالتحديد منذ الحادث الإجرامي بتفجير مرقد الإمام على الهادي في مدينة سامراء يثير القلق والخوف لدى كل عقلاء العرب والمسلمين ، فمنذ العدوان الآثم جرى رد فعل آثم أيضا وإجرامي بالاعتداء على مساجد السنة (بلغ 168 مسجدا) وقتل العشرات كلهم من السنة بغير مبرر وبشكل همجي ، كل هذا الذي جرى مدان ومرفوض من كل مسلم ومن كل عربي غيور على هذه الأمة ، لكننا لا نكتب اليوم فقط من أجل الإدانة والاستنكار ولكن من أجل تحديد الموقف وسبل مواجهة هذه الفتنة التي إذا استمرت فستكون آثارها كارثية بكل المقاييس ، ليس فقط على مستوى العراق ولكن على مستوى العالم الإسلامي كله حيث يوجد مسلمون من السنة والشيعة ، ولكي نفهم خلفيات ما حدث لابد أن نتذكر أنه منذ ظهور مذهب التشيع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعامل المسلمون السنة مع الشيعة بطرق مختلفة فلقد كان ومازال السنة هم أغلبية المسلمون في العالم الإسلامي والبلد الوحيد المجمع على كون الشيعة هم الأغلبية فيه هي إيران وهناك خلاف حول ذلك في العراق والبحرين ، لكن على كل حال تعامل السنة مع الشيعة بأشكال مختلفة طوال التاريخ فمنهم من تعامل بغلظة معهم واضطهدوهم ومنهم من تعامل بالعدل والأخوة الإسلامية الواجبة واعتبروهم بحق مذهبا من المذاهب الإسلامية المعتبرة وخاصة الشيعة الاثنا عشرية وهم اللذين ينتمي إليهم غالبية الشيعة في العالم الإسلامي ، ونتيجة شعور الشيعة بالاضطهاد تعاملوا بغلظة مع السنة وخاصة في الأماكن التي يوجد فيها الشيعة أغلبية ، وفي العقود الأخيرة تنبه العقلاء من أئمة وعلماء وقادة الطرفين لهذا الأمر وسعوا سعيا حثيثا لأن تكون العلاقة علاقة طبيعية بين أخوة في الدين وإن اختلفوا في المذاهب ، وكان أفضل الوسائل التي قربت بين الطرفين مواجهة خطر آخر على الإسلام والمسلمين وعلى البلاد العربية والإسلامية وآخر وأفضل هذه الأمثلة حزب الله اللبناني فلقد قدم نموذجا فريدا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وفي التقريب بين السنة والشيعة بل بين المسلمين العرب والمسيحيين العرب بخطاب سياسي راق كان آخرها خطاب زعيم الحزب السيد حسن نصر الله يوم الخميس الماضي ردا على الفتنة التي تطل برأسها من العراق ، كما أن آخر موقف وحد بين المسلمين السنة والشيعة هو الموقف من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرتها جريدة دنماركية آثمة وتبعتها عدة صحف ومجلات أوربية ، فلقد انتفض المسلمون السنة والشيعة في وقت واحد دفاعا عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وأحب أن اختار موقفا آخر يدل على هذه الرؤية وهو موقف إيران من حماس وإيران جمهورية إسلامية شيعية وحماس حركة مقاومة فلسطينية إسلامية سنية ، فلقد بدا التعاون بينهما كبيرا ودعوة إيران للمساهمة في تغطية احتياجات السلطة الفلسطينية بقيادة حماس والشعب الفلسطيني ومساهمتها في هذا الشأن ، ولعل من الأمثلة السابقة التي تدل على التقارب بين السنة والشيعة بحث المخربون لهذه العلاقة وسعوا لتفجير الفتنة الأخيرة ، وطبقا للمقولة الشهيرة " إذا أردت أن تعرف الجاني فابحث عن المستفيد " لابد وأن نسأل أنفسنا من المستفيد من الذي يجرى ونثير أسئلة تحمل بين طياتها أجوبة ، هل المستفيد الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق الذي يريد أن يطيل أمد وجوده في العراق بمقولة أن الأمن غير مستتب والفتنة تطل بوجهها كل حين كما أشار بذلك السيد حسن نصر الله في خطابه يوم الخميس الماضي ؟ أم المستفيد الطرف الغربي الذي أنزعج من ثورة المسلمين السنة والشيعة انتصارا لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم واستمرار الغضب دون توقف فهل يريد توجيه الغضب في اتجاه آخر داخلي بين المسلمين أنفسهم ؟ أم هو الطرف الصهيوني الذي انزعج من فوز حماس ومن تقاربها مع إيران فأراد أن يفسد كل هذا ؟ أم الطرف الغربي الصهيوني الذي يريد أن يحاصر إيران نوويا ويبعد عنها كل تعاطف من أغلبية العالم الإسلامي السني كونها دولة إسلامية شيعية ؟ وبالطبع أيا كان الطرف المستفيد فلن يكون العراق أو العراقيين أو السنة أو الشيعة وبالتالي فليس من مصلحة أي طرف من هؤلاء حتى لو كان متطرفين تفجير هذه العلاقة إلا إذا كانوا عميا وبلهاء ويستغلون من أصحاب المصلحة الحقيقة في تفجير العالم الإسلامي في داخله ، اعلم أن هناك متطرفين في الجانبين الشيعي والسني واعلم أن بعضهم أصبح متنفذا الآن في العراق الدولة الناشئة في أحضان الاحتلال ، واعلم أن البناء الرئيس الآن للجيش العراقي الجديد والشرطة العراقية هو بناء طائفي شيعي وظهر في ممارسات كثيرة وهذا خطر كبير ، يجب على العقلاء من قيادات الشيعة في العراق ولبنان على الأخص أن يواجهوه لأن هذا من عوامل الانفجار في أي لحظة ، نحن العرب والمسلمين نحتاج لعقل واعي وعقل ناضج لمواجهة خطر الفتنة بين السنة والشيعة ونريد أن تطبق بحق النص الرائع الذي ورد في بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين موجها خطابه لمسلمي العراق بمناسبة هذه القضية " أن يجعلوا الإسلام فوق المذاهب ، والوطن فوق الطائفية ، والمصلحة الدائمة فوق المنتفعة الطارئة وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا " أسأل الله أن يقي هذه الأمة شر تلك الفتنة وهو حسبنا ونعم الوكيل E. mail : [email protected]