إن ما حدث علي هامش الثورة من تعديات علي الأرض الزراعية أمر يشيب من هوله الولدان, فما تم التهامه من أراضي زراعية خلال الفترة الماضية ومنذ قيام الثورة وحتي وقتنا هذا أكبر بكثير مما تم استهلاكه في العقد الأخير, وتضاربت الأقوال والتصاريح عن المساحة الحقيقية التي تم التعدي عليها فمنهم من يقول بأن المساحة التي تم التهامها بإقامة المباني عليها تجاوزت الثلاثين ألف فدان وفي رواية أخري مائة وعشرين ألف فدان, ولا يوجد حتي الآن حصر دقيق للمساحة التي تم تبويرها والبناء عليها, ولكن من خلال رأي العين فإن المساحة التي تم التهامها كبيرة جدا حيث أن هناك بعض القري قد قامت بالبناء علي مساحات لا تقل عن نصف مساحتها الأصلية في تعدي صارخ علي الأراضي الزراعية والطرق العامة والخاصة دون وازع من ضمير, ولشديد الأسف أن من قام بهذه التعديات ليس من بينهم من هو في حاجة لهذه التعدي الغاشم وليس من بينهم فقير, فكل من قام بهذه التعديات من الميسورين الذين أصابهم الجشع والنهم وحب المال, فاقتطع من لحم مصر القراريط ببناء الأسوار رغبة منه في بيعها بمئات الألوف أو الملايين في بعض المناطق في المستقبل القريب, إن ما حدث كمن كان لديه دجاجة, هذه الدجاجة تبيض له كل يوم بيضة فيبعها أو يقتات عليها, ولكنه أراد أن يصنع كاب ليستظل بظله فنزع ريش الدجاجة ليصنع هذه المظلة, وبعد فترة أراد أن يتذوق طعم اللحم فقطع أرجل الدجاجة ثم جناحيها ثم ذبحها, وفقد الدجاجة وبيضها ثم جلس يبكي علي فقدانه لمصدر رزقه ولكن بعد فوات الأوان. أنا لا أنكر أن هناك حاجة طبيعة للتوسع في البناء للوفاء بمتطلبات الزيادة السكانية ولكن هذا يجب ألا يكون بأي حال من الأحوال علي حساب الأرض الزراعية والتي تعتبر المصدر الرئيسي لكافة حاجتنا من طعام, والسؤال الآن كيف يتم هذا؟ وفي رأيي أن يتم هذا بفرض غرامة مقدارها نصف ثمن القيمة السوقية للقيراط في كل منطقة, أي بفرض أن ثمن القيراط مائة ألف جنيه فتكون الغرامة خمسون ألف جنيه و يتم إنشاء صندوق مستقل يتبع رئيس الجمهورية مباشرة وتجمع فيه هذه المبالغ والتي ستتجاوز المليارات, وبهذه المبالغ يتم استصالح أراضي بديلة للتي استخدمت وشق الترع أو حفر الآبار وتعبيد الطرق وإقامة تجمعات بديلة واستحداث طرق جديدة للري, كالري بالرش أو بالتنقيط لترشيد استهلاك المياه, وكذلك الإنفاق علي هذه الأراضي الجديدة حتي تصل بإنتاجيتها مثل أرض الوادي السمراء, في هذه الحالة سيتم استبدال القيراط ليس بقيراط مثله ولكن بفدان كامل يفي بمتطلبات الزيادة السكانية, كما يجب أن تفرض هذه الغرامات علي المستهلك للاستهلاك الشخصي وليس للتجارة ومرة واحدة في العمر ويجب عمل سجل لتسجيل المستفيدين من هذه الأراضي سواء كانت هذه الاستفادة بطريقة مباشرة أو عن طريق الشراء, كما يجب أن تكون هذه الأراضي بجوار الأحوزة العمرانية وألا تكون علي الطرق السريعة أو بعيدة عن العمران كي لا تمثل بؤر سكانية جديدة وعشوائية. بالطبع الفكرة تحتاج إلي مراجعة وتمحيص ومناقشة للوصول بها إلي صيغة توافقية من الحكومة والشعب, ولكن لا يجب أن ينجو كل من قام بمثل هذا العمل المشين بفعلته في ظل غياب الأمن والمحاسبة. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية [email protected]