لم يبق عن حلول رمضان المبارك إلا يوم أو يومان . وأخذًا بمنطق الإسلام . وإيمانًا بالقاعدة الإسلامية المشهورة : قاعدة التدرج في التشريع والأعمال ، وكما هو معروف عند الناس – وخصوصًا الأوساط الرياضية – أنه لابد من عملية " تسخين " قبل بداية المباراة . ونتمنى أن نكون من الذين أنعم الله عليهم بالسير في طريق شعبان استعدادًا لاستقبال الضيف الكريم رمضان المعظم . وقد أخرج أبو داود والنسائي وغيرهما بسند من حديث أسامة بن زيد-رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: " ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " . ومن حسن ضيافتنا لهذا الشهر المبارك: الاستعداد له ، وحسن استقبال مقدمه ، الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس-إلا من رحم الله تعالى . ألا وهو شهر شعبان . قال السدي : ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل؟!، قلت (أي السدي): يحتمل أمران: أحدهما: أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم، ثم تعرض عليه أعمال الجمعة كل اثنين وخميس، ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان ، فتعرض عرضًا بعد عرض، ولكل عرض حكمة يُطْلِعُ عليها من شاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية. فلا عجب إذن أن كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته يقضي طيلة هذا الشهر في غار حراء، يعبد ربه، ويسبح بحمده، ويتملى عظمته في خلقه، حيث الهدوء يلف الكون من حوله ، فيسمح للنفس بالانطلاق المتأمل بلا موانع وبلا معوقات. ويكفي هذا الشهر فخرًا وعظمة أنه يحمل في أيامه ليلة لقدر، التي هي خير من ألف شهر، إذ بدأ نزول القرآن فيها، وفيها تنزل الملائكة والروح، وتظل هذه الليلة سلامًا حتى مطلع الفجر. وإذا كان " ربيع الزمان " هو فصل الصحو، وجمال الطقس، والتفتح، والخضرة، والنضرة، والنماء، والنشاط، والحيوية؛ فإن شهر رمضان هو " ربيع النفوس والأرواح " ؛ إنه الواحة اليانعة الغنّاء التي رصدها الله سبحانه وتعالى للمسلم ليركن إلى أفيائها، ويتملى جمالها، ويتمتع بثمارها، بعد مسيرة أحد عشر شهرًا من العناء في ضجيج الحياة ومادياتها، وضوضائها وهمومها. وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي شهر شعبان استعدادًا لرمضان ، فقد كان في رمضان قدوة مثلى للمسلمين لما فيه من انتصارات كبدر الكبرى ، ونزول القرآن في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . [email protected]