زمن العمالقة الذى نتحسر عليه كل يوم، ونناجى الأطلال بعده، علها تعيد لنا زمان مضى برموز امتلكت من الموهبة والحضور والفن ما أسرت به ملايين الشعب العربى من المحيط إلى الخليج. فمن سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى حجزت لها مكاناً فى قلوب كل من عشقوها وعشقوا صوتها تربعت من خلاله على قمة الغناء فى العالم العربى إلى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذى أسر وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى استطاع بموسيقاه أن يكون مدرسة فى الموسيقى وقيثارة الغناء نجاة الصغيرة. لا شك أن كلاً منهم امتلك من الموهبة والحضور ما جعله يستحق ما وصل إليه من نجاح وشهرة إلا أن هناك بعداً كان حاضراً فى سلسلة النجاحات التى وصلوا بها إلى قمة الهرم فى مصر والعالم العربى ألا وهو دعم الدولة المصرية لهم. فالدولة كانت تلعب دوراً قوياً فى مساندة المواهب باعتبارها كانت تستفيد منها وتفيدها فكان الفنانون يعبرون عن أحلام الدولة من خلال فنهم وفى المقابل الدولة كانت تقدم لهم الدعم سواء فى الإذاعة أو التلفزيون فضلاً عن توفير المسارح التى يغنون عليها لإيمان الدولة بدور مصر الثقافى فى المنطقة من خلال ما يسمى "القوة الناعمة". القوة التى تخلت عنها الدولة المصرية فى العقود الماضية فأصبح لا يتلاشى تأثير مصر السياسى فقط فى المنطقة بل الثقافى أيضاً الذي أصبح يتضاءل كل يوم فبعد أن كانت مصر بفنانيها رائدة فى العالم العربى تحولت الدفة نحو العاصمة اللبنانيةبيروت لتخطف الضوء من القاهرة التى أصبحت تبخل على أبنائها من رعاية ودعم فمصر التى خرج من أرضها العمالقة أصبحت تكتفى بصناعة فنانى لبنان فتقدم لهم الدعم سواء فى الإذاعة أو التلفزيون أو الصحافة المكتوبة ليصبح فنانو مصر بعيدين عن الأضواء. ولا شك أن الدولة المصرية هى السبب الرئيس فى ما آل حال العالم العربى فى الغناء فلن ننسى أن موجه ما سمى بموجة الغناء العارى ساهمت فيه الدولة المصرية فتركت المواهب المصرية حبيسة بدار الأبرا المصرية ومعهد الموسيقى العربية فأصبحت لا تعطى للمواهب الشابة فرصة للظهور على تلفزيون بلدهم أو أن تدعمهم بعرض كليباتهم المصورة بطريقة جادة ومحترمة مقابل مادى زهيد. مصر تبخل على أبنائها وصل بالحال إلى مصر "هولييوود الشرق" التى تملك من المواهب الغنائية والأدوات الإعلامية إلى أن يذهب أولادها إلى لبنان خلف برامج المواهب لينطلقوا من لبنان بدلا من أن تكون بداية انطلاقهم بلدهم التى تصنع نجوم العالم العربى وتبخل على أبنائها فلا هناك جهة معينة فى الدولة تتبنى المواهب الجديدة وحتى الوسائل التى تمتلكها الدولة كحفلات التلفزيون كانت دوماً تستعين بالمواهب اللبنانية وتدعمها. فلا ننسى أن نانسى عجرم عندما غنت "أخاصمك أه" أول من أتى بها على مصر هو التنلفزيون المصرى لتحيى "حفلات التلفزيون" فكانت البداية التى انطلقت منها نجومية نانسى وغيرها من الأسماء اللبنانية ك"هيفاء وهبى" التى قام بتلميعها الإعلام المصرى على الرغم من افتقاد الكثير منهم إلى الموهبة الجادة. وحتى القنوات التى تمتلكها الدولة المصرية لا تساهم فى دعم المطربين المصريين فدائماً ما تعرض كليبات مصورة لفنانى لبنان وحفلاتهم القديمة فمثلا قناة النيل للمنوعات "لايف" دائماً ما تعرض حفلات مصورة والتى غالباً ما تكون ساخنة لميريام فارس وهيفاء وهبى والسؤال هل ما يتم عرضه من حفلات بما فيها من مشاهد رقص لهم يكون بموافقة قطاع قنوات النيل المتخصصة أم متروكة لمن يجلس ويعرض على المشاهدين ما يروق له على ذوقه الخاص. وليست الدولة فقط التى تبخل على أبنائها بل هناك شركات يمتلكها رجال أعمال مصريون لم يقدموا شيئًا للأغنية المصرية بل منهم من تكسب من تراث الأغنية المصرية واكتفى بالماضى ومنهم منذ بدايته لم يقم بشيء للأغنية المصرية. ميلودى: تعد تلك القناة التى يمتلكها جمال أشرف مروان من أكثر القنوات التى لم تقدم شيئًا للأغنية المصرية فقد كانت تقوم بإخراج المواهب اللبنانية وحتى إن كانت تقوم بالكليبات التى كان بعضها فاضح إلا أنه فى المحصلة أن الأغنية المصرية لم تستفد من هذه القناة بل على العكس فقد كانت فى فترة من الفترات مفرغة للمواهب اللبنانية. مزيكا: الشركة التى أسسها محسن جابر وساهمت فى دعم الأغنية المصرية إلا أنها الآن بدأت تتخلى عن هذا الدور وأصبح أكثر ما يُعرض عليها أغانٍ باللهجة الخليجية واللبنانية بعد أن تركها مطربين مصريين كثر لشكواهم من عدم اهتمام الشركة بألبوماتهم. مصر احتضنت الفنانين العرب وطالما كانت القاهرة درباً لكل فنان عربى يريد أن يصبح نجماً فى العالم العربى، فكانت القاهرة تستقبله وتحتضنه ولا ننسى فريد الأطرش الذى كتب اسمه بحروف من ذهب فى سماء الأغنية العربية وكانت انطلاقته من القاهرة وكذلك الفنانة اللبنانية صباح التى أعطتها مصر مجداً كبيراً لاسيما أنها كانت تمتلك صوتاً جميلاً لم تملك القاهرة شيئاً سوى أن تساعد هذا الصوت على الانطلاق وأخذ ما يستحقه من مكانة فى مصر والعالم العربى وفى نفس الوقت كانت مصر تسطع بنجومها المصريين وتدعمهم أيضاً فكان هناك توازن بين دعم الفنانين المصريين والعرب فلم يصل الحال إلى ما آل إليه الآن بأن تدعم العرب وتترك المصريين ولاسيما المواهب الجديدة تذهب هنا وهناك من أجل الشهرة لتكون مصر الذى يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 100 مليون نسمة عدد مطربيها يحصون على أصابع اليد الواحدة ولبنان التى عدد سكانها ما يقرب من 5 ملايين نسمة كل هذا الكم من المطربين. الأغنية المصرية واللبنانية: طالبت الصحافة اللبنانية مطربيها بعدم الغناء باللهجة المصرية والاكتفاء بالغناء باللهجة اللبنانية وهذا حق مشروع بأنهم يريدون أن تكون الأغنية اللبنانية رقم واحد فى العالم العربى من منطق الغيرة الفنية المشروعة على وطنهم، فأصبح السؤال أليس من حق القاهرة أن تدافع عن حقها المشروع أيضاً فى موقع الأغنية المصرية فى العالم العربى ومن سيرفع لواء الأغنية المصرية سوى أبنائها من المصريين؟ ألم يحن الوقت أن نهتم بالأغنية والمطرب والمطربة المصرية ونتوقف عن دعم مطربى لبنان الذين يجدون الدعم من بلدهم ومن صحافتهم فى الوقت الذى يعانى فيه فنانو مصر فى الغناء من تجاهل من بلدهم؟ ألم يحن الوقت للمصريين أن تدعمهم بلدهم ليحافظوا على وضع الأغنية المصرية وصدارتها بعد مطالبات الإخوة اللبنانيين لمطربيهم بالتوقف عن الغناء باللهجة المصرية لاسيما أنهم يشعرون أنهم لا يحتاجون إلى الأغنية المصرية من أجل الشهرة الآن. فنانون صنعتهم الموهبة ودعمتهم الدولة: أم كلثوم: عبد الحليم حافظ: محمد عبد الوهاب: نجاة الصغيرة: صباح: فريد الأطرش: