أتاح التعديل التشريعي الذي أصدر الرئيس السابق (المؤقت)، عدلي منصور في سبتمبر من العام الماضي، ليسمح بمد فترات الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى لسلطات التحقيق، التوسع في إصدار قرارات بالحبس الاحتياطي لفترات طويلة. ونص القرار الجمهوري الصادر آنذاك على: "يستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية بالنص الآتي": ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة". وقال المستشار أحمد سليمان وزير العدل السابق، إن القواعد التي تحكم قضايا الفساد والمخدرات والقتل طبقا لقانون الإجراءات الجنائية تفرض على المحكمة والنيابة العامة تطبيقها. وأشارإلى أن الأمر يختلف مع القضايا السياسية، فقد خالفت النيابة العامة والمحاكم تطبيق هذه الإجراءات فسمحت بالحبس الاحتياطي بما يخالف كل معاير العدالة والدستور، موضحًا أن الحبس الاحتياطي وتجديده للمتهمين بهذا الشكل لم يحدث فى أى بلد على وجه الأرض إلا مصر . وأضاف "الحبس الاحتياطى لا يكون إلا فى أمور معينة وقليلة للغاية مثل عدم وجود محل إقامة للمتهم أو خشية هربه، بالإضافة إلى تأثيره على مجريات التحقيق وغير ذلك فإن الحبس الاحتياطى لا شرعية له وهو والعد م سواء". ورأى أن "الأسوأ من ذلك هو تجديد الحبس الاحتياطى مرة تلو الأخرى قد تصل فى النهاية إلى عام أو أقل دون وجود قضية من الأساس"، مشيرًا إلى أن المجلس القومى لحقوق الإنسان رصد إسراف السلطة الشديد فى استخدام الحبس الاحتياطى وازدحام أماكن الحبس بل ورصدت أيضًا معاناة أهالى المحبوسين لعدم معرفة أماكن احتجازهم فى انتهاك صارخ لقيم العدالة والإنسانية . وقال مؤمن رميح، الفقيه القانوني، إن هناك ازدواجية بالمعايير تكتنف عمل القضاء، فتتبع فى قضايا قواعد العدالة والشرعية القانونية والإجرائية، وتهمل فى قضايا أخرى، حسب نوعية القضايا المنظورة، وحسب الدائرة الجنائية المشكلة من حيث كونها دائرة جنايات عادية أم دائرة إرهاب. وأضاف "قضايا المخدرات والسلاح يتم فيها مراعاة كافة الإجراءات القانونية فإذا اختل إجراء أو شابه بطلان حصل المتهم على حكم بالبراءة، وحتى ولو كانت الأدلة الجنائية المتحصلة تشير إلى ارتكابه هذا الفعل المجرم قانونًا، لكن منظومة العدالة فى مثل هذه القضايا تأبى أن تركن فى حكمها إلى دليل مستمد من إجراء باطل". وأوضح، أنه "بخصوص القضايا ذات المعايير السياسية أو الغطاء السياسى من أى نوع سواء كانت الانضمام لجماعة سياسة معارضة للنظام السياسى الحاكم - أو فى تعبير أدق - للحكومة القائمة، فإن النيابة العامة لا تمارس إلا دورًا سياسًيا متبنية وجهة نظر النظام إزاء سيل الاتهام الذى يحاصر تلك المجموعات المعارضة". وتابع "بدلاً من أن تقوم النيابة العامة بممارسة دورها المنوط بها فى إرساء قواعد العدالة، إذ بها تمارس دورًا سياسيًا أشد وطأة وبطشًا، بإطلاق الاتهامات وإصدار أذن القبض والتفتيش دون مسوغ قانونى يعتد به". وأشار رميح، إلى أن "كل ذلك ما هو إلا مرحلة من مراحل الانتهاك لكل قيم العدالة والقضاء، يتبعه إجراء قرار الحبس الاحتياطى – الذى لا مفر منه – إزاء هذه المجموعات". وأوضح "من هنا تبدأ المحاكمة أمام دوائر خاصة يعين فيها قضاة من ذوى التوجهات المعينة التى تتوافق مع آراء السلطة الحاكمة – أيًا كانت السلطة التى فى الحكم – كل يسعى إلى أن يحاكم معارضيه بمنطقه، لا بميزان العدل والقانون، موضحًا أن ذلك تبدأ معه إجراءات قل ما يمكن أن يقال عنها إنها تفتقر الحقوق الأساسية للعدالة التى لو افتقدت لاختل ميزانها". وأكد أنه لا يمكن إلا أن يقال إن كافة الأحكام الصادرة من دوائر الإرهاب باطلة وتصل إلى الانعدام، الأمر الذى يوجب على الجهات القضائية العليا المتمثلة فى محكمة النقض محاولة إرجاع الأمور إلى طبيعتها وتحكم ببطلان المحاكمات فى كافة القضايا التى حكم فيها أمام دوائر الإرهاب، وتقوم بإعادة المحاكمات أمام دوائر جنائية تتوافق مع مقتضيات العدالة وقواعد القانون .