بداية لابد من الإشارة إلى الفرق الواضح بين الالتزام الديني والتطرف ، لأن البعض يحلو له عن عمد وبخبث شديد خلط المصطلحين معا ، فالالتزام الدينى يقوم على السماحة وسعة الصدر والتماس الأعذار ، وصاحبه يتمنى الخير للآخرين ويبذله لهم إن استطاع إلى ذلك سبيلا ، بينما التطرف يتسم بضيق الأفق والغضب المستمر، وضيق الصدر بالرأي المخالف، والمسارعة بالانتقاص منه ، وربما يرميه بوصف المبتدع صاحب الضلالة. والتطرف "الدينى" بغير شك هو نوع من الغلو المرفوض وبخاصة إذا تحول إلى مقدمة طبيعية للإرهاب، والإرهاب مرض خطير جدا . ومرفوض من كل عاقل فضلا عن المتدينين الملتزمين ولئن كانت مشكلة التطرف أنه لا ينحصر في شكل واحد "ديني" فقط وإنما يتعدد في صوره وأشكاله ، فالعناصر المكونة لهذا التطرف الخطير ليست دينية فقط ، وإنما هي أيضا يمكن أن تكون سياسية ، ويمكن أن تكون إعلامية، وربما كان الأول وهو التطرف الدينى هو الأكثر شهرة والأعلى صوتا وضجيجا ، بينما الثانى والثالث السياسي والإعلامي هما الأكثر خطورة والأشد تدميرا وتخريبا للنفوس والمجتمعات من ثم فإن إشكالياته أنه يتطور إلى إرهاب غير محدود الأثر ولا يهدد مؤسسة الحكم. فقط ، وإنما يهدد كيان الدولة ذاتها وهو لا ينشأ من فراغ ، وإنما لا بد له من بيئة حاضنة تساعد على وجوده ونموه وانتشاره. وتتعدد أسباب وجود التطرف ، فقد يكون نتيجة الفقر والحرمان من الحقوق، وقد يكون صدى عكسيا لحالات القمع الأمنى ومصادرة الحريات وانسداد الأفق السياسي ومنع التعبير عن الرأي ، وقد يكون أيضا رد فعل لحالات أخرى من التطرف في الجهات والتيارات المقابلة قبل ثورة التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصل المختلفة لم يكن التطرف الديني في العادة يملك من وسائل الدعاية لنفسه ، وإنما كانت دعايته من غيره وغالبا ما كانت من أعدائه ، لذلك لم يكن هوالأكثر شهرة فقط ، وإنما كان أيضا هو الأوسع انتشارا بحيث يخطف الضوء والأبصار ويتحول إلى إرهاب بقصد إشاعة الخوف والرعب “. والشك في كل ما هو إسلامي ، وخلق ما يسمى بمرض الخوف من الإسلام Islamophobiaبينما التطرف السياسي والإعلامي ظل مسكوتا عنه حتى هذه اللحظة رغم أنهما الأخطر،حيث يشكلان معا البيئة الحاضنة والمناخ الطبيعي لكل إرهاب واقع.... أو محتمل وبعض المجتمعات العربية والإسلامية في وقتها الراهن نتيجة لأسباب كثيرة وفي مقدمتها وفرة المال وضحالة المعرفة أضحت تعيش أخطر مراحل الخبل السياسي ، وحين يدخل المال المغتصب عالم السياسة ، وتتحدث لغته بالأرقام في خزائن البنوك ودفاتر الشيكات حينئذ تغيب البوصلة ويوسد الأمر لغير أهله ، ويمارس السياسة من لا كفاءة له ولا ثقافة عنده ولا تجربة ترفع مستوى الخبرة لديه وتجعله مؤهلا لرؤية الحقائق، حين يكون الأمر كذلك فانتظر قرارات من نوع غريب وعجيب لا تحدث إلا في منطقتنا وحدها ، وهي قرارات لا تخضع لأي معيار من معايير العقل والمنطق، وإنما هي خلطة غير متجانسة في عناصرها تسخر منها الثقافة الشعبية فيطلق عليها "أولاد البلد في المثل الشعبي "سمك لبن تمر هندى و"سمك لبن تمر هندى" تعنى أنه لا رؤية ولا بوصلة ، وإنما طريق جائر لا يعرف .قصد السبيل وهذا الطريق الجائر الحائر الوعر تغيب فيه الرؤية وتختلط فيه الألوان والأوزان والنسب والكتل والأحجام ، ومن ثم تحدث مثل هذه الفوضى، وكما تذوب الفروق بين السياسة والتياسة ، كذلك تذوب الفروق بين التدين. والتطرف ، وبين المقاومة الشريفة لعدو محتل وبين الإرهاب خلل الرؤية يسبب حالة اختلال عقلي تخلط بين الفهم والوهم ، وتجعل صاحبها يظن أنه على شئ فيهرف بما لا يعرف ، وتخرج هواجسه ومخاوفه في صورة قرارت وقوائم من النوع إياه "سمك لبن تمر هندى" فتجرم كل متدين ، وتصف بالإرهاب كل عامل في حقل الدعوة والعمل الإسلامي ، وتود لو أنها لا تستثنى من الوصف شيئا ولو كان الماء والهواء والسماء والأرض والنجوم والقمر ويضيقون الخناق حتى لا يبقى أمام الناس إلا أن يتبرءوا من دينهم كى يثبتوا أنهم معتدلون غير متطرفين شعور الأرق المصحوب بالخوف الذى أصاب هؤلاء جعلهم يستشعرون عداوة كل شئ حتى مفردات الطبيعة والكون ، وأن كل المخلوقات تتأمر عليهم ، وأنه لا حصانة ولا حماية لهم إلا بإدانة كل شئ ووضعه على قائمة الإرهاب والسياسة حين يسكنها الخبل تجعل صاحبها كمن شرب حتى الثمالة ، فتتراءى له الأشياء في صور منكسة ومنعكسة تجعل الفوق تحت ، والتحت فوق ، واليمين يسارا واليسار بعيرا وحمارا ، ثم تخول له هلاوسه "أن يتصدر في "الهايفة" كما يقولون "حتى يراه الآخرون ويشعرون به المصاب بمثل هذه الحالات المتقدمة من الخبل يحتاج أحيانا إلى من يقلبه ظهرا لبطن حتى تَفْر َغ معدته مما امتلأت به من قاذورات ونجاسات التوسع في استعمال مصطلح الإرهاب وإطلاقه على كل من لم يدخل في حضانة من يملكون المال ولا يملكون معه عقلا ولا خلقا لن يكف عنهم أقدار االله في ثأر شعوبهم منهم والانتقام لمن ظلموهم وأكلوا أموالهم وتاجروا بحقوقهم. وإطلاق هذا المصطلح البغيض مصطلح "الإرهاب" ومحاولة تلبيسه لأناس شرفاء عاشوا حياتهم خدما لدين االله ودعوته ، وكانوا ولا زالوا يتحدثون عن الدولة المدنية والدستورية ، وعن المشاركة السياسية السلمية، واتسم حديثهم عن الديموقراطية بتبتل يشبه تبتل العاشق الرومانسي ، هذا التوسع ووصف هؤلاء الشرفاء به يجعل هذا المصطلح غير ذى معنى ويحوله كما يقول العامة إلى "مسخرة" حين يستعمله الصغار وأهل السفه السياسي الذين ضلوا طريقهم في دهاليز السياسة ، فدخلوا من باب الخدم لسادتهم ، وبالغوا في انحناء الظهور والجباه حتى داستهم كعوب السيدة هيلاري ومن قبلها كوندا ليزا. عبث الصغار الذى يتسلى به هولاء ، والمليارات التى تبذل في قهر الشعوب لن تمر دون عقاب ومؤاخذة ، فالديان أيها الأموات حي لا يموت، وهو يعلم أنه مال منهوب من حقوق الشعوب وكان يجب أن ينفق على الناس في رفع مستوى معيشتهم والنهوض بأعباء الحياة لديهم ، ومن ثم فالعقاب القادم لن يحرق فقط أصابع الصغار تربية وتأديبا ، وإنما يشوى وجوههم ويكوى جلودهم، ويكلفهم كل ما تبقى في خزائنهم من مال منهوب موضوع في بنوك السادة الكبار ، هذا المال الذى يعبثون به في المنطقة ويشترون به ذمما لا شرف لها ليحدثوا القلاقل هنا وهناك ، لن يهدد خصومهم فقط كما يتصورون ، وإنما هو يدفع المنطقة كلها إلى مستوى من "الفوضى العشوائية وليست الخلاقة" كما خطط لها السادة تكشف عن خطر عام يفكك بنية المجتمعات كلها وأولها مجتمعاتهم ، لأنه بالكيل الذى تكيلون به يكال لكم ويزاد ، وقاعدة العدالة أنه " كما تدين تدان“ فلا تحسبنكم أيها الأغرار الصغار منهم والعواجيز بمفازة العذاب. قوائم العار التى نشرت تجعل أغلب الشباب في الوطن كله لا يؤمن بالعمل السلمي الظاهر، وإنما يرى ذلك من قبيل ضياع الوقت ، ويخرج لسانه سخرية واستهزاء لدعاة الديموقراطية ولأصحاب العذرية السياسية الذين أحسنوا الظن بالحكام ولم يكن في حسبانهم أن يكون الغدر هو خاتمة المطاف ،فكان مصيرهم القتل سحقا وحرقا، ومن بقي منهم على قيد الحياة يعانى الموت البطيئ في غياهب معتقلات الأنظمة المستبدة ، ومن ثم تتسع دوائر داعش وولاياته وأتباعه الذين يرون فض الأمر أولا مع بؤر الخيانة التى تتأمر على الشعوب والوطن، ولا تشكل إلا ذراعا للعدو في خاصرة وطنيته وهويته وديانته التى أضحت سداحا مداحا، والفضل كله يرجع لهؤلاء الذين طنوا أن ممارسة السياسة كممارسة القمار في صالات الليل الأحمر ، فما دامت خزائنك مملوءة بالمال فلا تعبأ برغبات الشعوب ولا تفكر في مكسب أو خسارة، المهم أن تنام في نهاية السهرة خالي البال تحت تأثير الشراب ولو كانت الرائحة الكريهة تطفح من فمك وتملأ أذنيك. والله سيوف يقطع بها رقاب الظالمين منها أخطاؤهم.