كم هي مسكينة بوابة مصر الشرقية الذهبية .. مدينة الإسماعيليه ..... الهادئة الثائرة ، القانعة المتمردة ، المبتسمة الغاضبة ، وكم هي مظلومه مهضومة الحق علي مدار أجيالها ، حقبات تاريخية عظيمة كان لأبناء مدينة الأبطال الكلمة العليا واليد الطولي في التضحية والنضال .. هؤلاء الأبناء أنفسهم مسؤولون عن الظلم الواقع علي مدينتهم الساحرة ، التي تحكي كل بقعة فيها وينطق كل شبر منها ، بما سطره رجالها بدمائهم الطاهرة لأجل نصرة قضية أمتهم ووطنهم .. مسؤولون لأنهم إرتضوا لمدينتهم الباسلة ، أن يرتبط أسمها بكرة القدم فقط ، رغم أنهم لو قلبوا صفحات التاريخ لإكتشفوا مدي عظمة ما صنعه آبائهم وأجدادهم ، إختزل أبناء المدينة كل ماضي وحاضر ومستقبل عروس الكنال في مجرد فريق كروي ، لدرجة أنك عندما تفتح إحدي الصحف أو تستمع لإحدي الفضائيات لن تسمع عن الإسماعيلية إلا أخبار كروية فقط .. الإسماعيلية كانت أحد أهم أضلاع مربع ثورة 25 يناير ، القاهرة ، السويس ، الإسكندرية ، الإسماعيلية ، منذ أن بدأت تباشير ذلك الصباح العطر المفعم بحب الوطن تنتشر وتتسلل لترسم لوحة نضال وتحرر عمت جميع أرجاء مصر ، بدأت الإنتفاضة تشتعل في شوارع وحواري المدينة لتصل ذروتها يومي 28 ، 29 يناير ، وسط تكتم وتجاهل إعلامي غير مبرر أو غير مفهوم حتي لحظة كتابة هذه السطور .. يوم جمعة الغضب 28 يناير ، وعندما كان أبطال السويس يتصدون بصدورهم العارية لمدرعات وقنابل العادلي ، كان علي شباب الإسماعيلية الثوار أن يتدخلوا لنصرة أشقائهم الذين يرتبطون معهم بروابط تاريخية وإنسانية متعددة ، الضغط الهائل الذي وقع علي مدينة السويس كان من الممكن أن يجهض الثورة فورا ، ولم تكن مصر لتفرح بتلك اللحظة التاريخية التي صرخت بها قلوب وحناجر ابناء المحروسة كلهم ليلة 11 فبراير .. لم يكن لأبناء الغريب أن يصمدوا كثيرا في وجه مدرعات و مصفحات العادلي وقوات الأمن المركزي وفرق الأمن الخاص والقناصة التي بدأت في التدفق من معسكر عز الدين شرق الإسماعيلية جنوبا نحو السويس منذ فجر جمعة الغضب لمحاصرة المدينة وعزلها ووأد إنتفاضة ابناء الغريب قبل أن يستفحل أمرها .. في تلك اللحظة الهامة الفارقة في حياة الأمم والشعوب ، والتي لا يسطر حروفها إلا الرجال من شرفاء مصر قاطبة ، كان ابناء الإسماعيليه يكتبون بدمائهم الطاهرة حاضرا جديدا تفخر به أجيالهم القادمة .. شباب وبنات ورجال ونساء المدينة .. إندفعوا خارج المدينة بأرواحهم قبل اجسادهم للتصدي لجحافل العادلي ومبارك التترية علي طريق الإسماعيليةالسويس الصحراوي ، للحيلولة دون وصول تلك القوات لمدينة أبناء الغريب ، بجسارة الأبطال تصدي ثوار المدينة الهادئة للإمدادات الأمنية الهائلة التي كانت في طريقها إلي السويس ، صمدوا أمام قنابل ومصفحات جبابرة العادلي ومبارك و رصاصهم الحي والمطاطي وقناصتهم ، تماما كما فعل آبائهم عام 1973 في قرية أبو عطوة أمام قوات شارون ، وكما فعل أجدادهم أمام الإنجليز عام 1882 وهم أنفسهم الذين أحالوا حياة المحتل الإنجليزي إلي جحيم بتار ، وأرقوا مضاجعه عام 1951 في موقعة النافي وكوبري سالا الشهيرة بوسط المدينة والتي كانت هي الشرارة التي اشعلت ثورة 23 يوليو كما يقول ويحكي التاريخ .. ثوار الإسماعيلية كان لهم الفضل بعد الله سبحانه وتعالي في القضاء علي اسطورة مباحث أمن الدولة الذراع الباطشة لنظام مبارك ، فهم أول من كسر شوكتة في مصر يوم السبت 29 يناير ، عندما حاصرو مبناهم في الإسماعيليه بعد معارك عنيفة وإحتلوه وأطلقوا سراح كل المعتقلين الأبرياء الذين كانوا بداخله كل ذلك قبل أن يسقط الجهاز نفسه بعد ذلك بأسابيع في كافة محافظات مصر ، ويحسب لثوار المدينة نبل أخلاقياتهم في عدم المساس بأحد من ضباطه بعد القبض والسيطرة عليهم رغم سقوط شهداء من الثوار برصاصات هؤلاء الضباط وتم تسليمهم لرجال الجيش ، وسط تعتيم إعلامي كما قلت غير مبرر وغير مفهوم .. الإسماعيليه سقط منها في ثورة 25 يناير 15 شهيد واكثر من خمسمائة مصاب وجريح حسب ما أفادت مصادرنا ، إصابات بالغة وخطيرة ما بين العين والرأس والصدر والقدم ، ولم نسمع عن تقديم أحد ضباط الشرطة أو مباحث أمن الدولة السابق فيها للمحاكمة ..؟؟؟ وعلي الرغم صدور لائحة محاكمة لعدد 150 ضابط متعددي الرتب والمتهمين بقتل الثوار في عدد 20 محافظة مصرية ، لم يرد في تلك اللائحة إسم واحد من الإسماعيلية ، بل لم يرد إسم المدينة من الأصل ..؟؟ .. من في مصر يصدق هذا الكلام ..؟؟ !! خمسة عشر شهيد ومئات المصابين دون فاعل واحد حقيقي يقدم للمحاكمة حتي هذه اللحظة ..؟؟ ..فهل سقط هؤلاء شهداء من تلقاء أنفسهم ، أم أن هناك محاكمات تجري في سرية تامة دون أن يعلم أهالي الشهداء وشباب الثورة الذين تغلي صدورهم حرقة علي ضياع حق أبنائهم ..؟ حقيقة لا نعرف ولا ندري ..!! .. ورغم تظاهر شباب الثوار أكثر من مرة أمام مجمع المحاكم بالمدينة مناشدين المسئولين الإفصاح عن حقيقة ما يدور في الخفاء ، إلا أنهم لم يتلقوا إجابة شافية تماما كما كان يحدث أيام حكم مبارك ، إجابات مضللة مبتورة كاذبة .. لذلك نناشد السيد المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري ، ونحن نعلم حرصه علي مطالعة صحيفة ( المصريون ) ، نناشده فتح التحقيق في قضية شهداء الإسماعيلية ، أو الكشف عن تلك التحقيقات إن كانت تجري بالفعل وماذا تم فيها وإلي أين إنتهت ، حتي تهدأ سريرة أهالي الشهداء والمصابين ، وحتي يرتاح الشهداء في رقدتهم عندما يعلمون أن دمائهم لم تذهب أدراج الرياح ..