أمس كتبت عن الفساد. لكن أي فساد؟. هل يستطيع أحد أن يوفي هذه القضية حقها؟. أخطر أمراض مصر على الإطلاق هو الفساد. وكما ختمت فإن خلاياه النشطة والنائمة في كل شبر من أرض مصر، وفي كل مجال ومستوى، وفي كل مرفق وهيئة، وتشمل مختلف الفئات والطبقات إلا من رحم ربي، وإلا من لايزال متمسكا ببعض الضمير، وإلا من لايزال قابضا على جمر الطهارة ونظافة الذمة. لست أنا من يحذر من خطورة ذلك الفساد الرهيب، بل هو المستشار هشام جنينة الذي تحت يديه صورة كاملة ومفصلة ودقيقة عن الفساد في مصر بحكم رئاسته للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو واحد من أهم وأكبر أجهزة التفتيش والتدقيق على أوجه إنفاق المال العام في الدولة وما ينتج عن ذلك من صور فساد يشيب من هولها الولدان. مال الدولة، مال الشعب، عرق المصريين يتعرض للإهدار والسرقة والنهب خارج القانون. وهناك أنواع من النهب بالقانون، لكنها في حقيقتها هي سرقة أو صرف أموال بغير حق مثل تعيين المستشارين الذين كانوا يكلفون الموازنة 500 مليون جنيه سنويا، هو بند رسمي صحيح في وجه، وفي الوجه الآخر فساد وتنفيع حيث لاحاجة لهؤلاء جميعا، وهناك صرف مكافات وبدلات وعلاوات بالملايين دون وجه حق، لكن بالقانون، وهناك شراء مواد ومستلزمات ومتطلبات بأسعار أعلى من سعرها الحقيقي، وفروق الأسعار توضع في الجيوب، وهناك شراء محطات كهرباء مستعملة، ونهب أراضي الدولة وبشكل قانوني بأسعار رمزية وعلى غير حقيقة أسعار السوق، وهذا الملف وحده ومع التقدير الحكومي الرئيف فيه إهدار مائة مليار جنيه، ومليارات البنوك التي لايتم تسديدها، وهناك المشروع والمبنى والطريق والمرفق الذي يتم بنائه أو تجهيزه بعشوائية وعبثية وقلة ضمير وينهار بعد أشهر أو سنوات قليلة، صور الفساد تدفع إلى الانتحار النفسي، فمن يتصدى لهذا الفساد الطاغي؟. محاربة الفساد هو المشروع القومي لمصر، قناة السويس الجديدة وكما يقدمها الإعلام مشروع جيد، لكن الأكثر جودة وبالتوازي معها ومع غيرها من مشروعات هو محاربة الفساد الكبير والمتوسط والصغير والمتناهي الصغر من أول مليارات البنوك وملايين أمتار الأراضي ومليارات الضرائب التي يتم التهرب مها وموازنات الوزارات والتأكد من عدم تبديدها إلى الموظف الذي ينتظر سيجارة وكوب شاي لكي ينجز لك ورقة أو حتى عبارات النفاق والتبجيل لكي يتعامل معك برفق. لا دولة تخلو من الفساد، لكن عندما تكون الدولة هي مصر بأوضاعها وأوضاع ناسها فلا يجب أن نستدعي فساد في دول أخرى حتى نمرر مالدينا لأن البلد في حاجة لكل جنيه فهو ليس في رفاهية الهدر كما بلدان لديها ثروات ولا تواجه ميزانياتها عجزا صارخا ولا تعيش على مئات من قنابل الخدمات المتفجرة ، أولوية الأولويات في حالة مصر هو مسح الفساد من على أرضها، ولو تم تشريع قانون طوارئ خاص لحرب الفساد فإن أحدا لن يعترض عليه، ولوتم نصب المشانق للمفسدين كما في الصين فسيكون ذلك عملا قوميا، وعندما يُحاسب الكبار ويسقطون من عليائهم إلى السجون فهنا يكون الإنفاق على السجون مرغوبا وزيادة ميزانيتها لبناء الجديد منها مقبولا. لابد من تنظيف مصر من الفساد، لابد من الضرب بأيدي من فولاذ على المفسدين، لاتأخذكم بهم رأفة، هم العدو فاحذروهم، هم من ينهبون البلد ويخربونها، وأكثر المنافقين مفسدين لأن لديهم مايريدون التغطية عليه، لا أحد يجب أن يأخذ جنيها واحدا ليس من حقه، مصر نهيبة، يحلبونها حتى جف ضرعها والمساكين لايجدون حتى العظم يطبخون عليه قليل من المرق، لايجب أن يموت مصريا من الجوع، بينما هناك من يموت من التخمة، لماذا هناك طبقات منهكة، وأخرى منعمة، أين العدالة الاجتماعية، هناك فقدان عدالة في توزيع الدخل القومي، ألوف وملايين تدخل الجيوب هنا، وملاليم هناك. إذا كانت السلطة تريد إنجاز شيء على الأرض، فليكن مشروعها القومي هو كنس الفساد، قوات نخبة لمحاربة الفساد، قوات انتشار وتدخل سريع لحصاره والقضاء عليه، لا بد من فرق صاعقة لقتل الفساد، وهي لديها أجهزة محاربة الفساد، وهي عديدة ومتخمة بالرجال والنساء، وليبدأ كبار رجال الحكم بأنفسهم، أي يعلنون مالهم وما عليهم حتى عندما يتساقط كل فاسد لا يغمز أحد فيهم أومنهم، يكونون القدوة ، جنينة تحدث عن إلغاء بند الطعام في القصر الجمهوري، هذا جيد، لم يعلم به كثيرون، وجريا على ذلك يجب أن تُلغى بنود كثيرة في هذا الإطار في كل أجهزة الدولة، مالم يقدم المسؤولون وكبارهم بالذات القدوة والمثل فلن يرتدع أحد، هل من شبيه ولو من بعيد للخليفة العادل الزاهد عمر بن الخطاب في هذا الزمان، وهل من شبيه ولو من بعيد للخليفة العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز؟. الولاء والانتماء الحقيقي وليس المزيف يتحقق عندما يتأكد كل مواطن أنه يأخذ حقه من خيرات بلاده، ولا يأخذ غيره أكثر مما يستحق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.