لا اعتقد ان ادارة الحركة الصهيونية الممثلة في الحكومة الاسرائيلية الراهنة تحلم بخصم انسب من السلطة الفلسطينية الراهنة، التي ترتكب من الاخطاء وتتمتع بدرحة من قصر النظر، ما يجعل الادارة الصهيونية في اطمئنان كامل الى ان الامور ستظل - حتى اشعار آخر - تسير بما يناسب المصالح والمطامع الصهيونية، بغض النظر عن اللافتات التي ترفعها السلطة الفلسطينية، او عن صخب الشعارات التي تطلقها. هذا الاستنتاج ليس على أي حال مجرد استقراء للحظة السياسية الراهنة في القضية الفلسطينية، ولا للفترة القريبة القادمة، انه قبل اي شيء قراءة واضحة في الخط البياني لمسيرة السنوات الاخيرة للقضية الفلسطينية، حيث تتفاوت شعارات السلطة الفلسطينية بين الصخب والهدوء تعبيرا عن واقع سياسي فلسطيني لا يتقدم سنتمترا واحدا على مر السنوات، بينما يشكل مرور هذه السنوات نفسها، في الطرف الاخر، نجاحا صهيونيا مستمرا ومتواصلا وثابتا وراسخا، في ابتلاع ما تبقى من ارض فلسطين وتهويدها، وتذويب متدرج للحقائق التاريخية الاساسية للقضية الفلسطينية. ان هذا الواقع يبدو شديد الوضوح والفصاحة في المسعى الدؤوب الذي تنهمك السلطة الفلسطينية في اطاره، وتحدد له شهر ايلول القادم موعدا تاريخيا في الجمعية العمومية للامم المتحدة. إن هذا المسعى، لو وصل الى ذروة النجاح الذي تحلم به السلطة الفلسطينية، لن يتجاوز نص القرار الدولي القديم الذي صدر في العام 1947، والذي يحمل الرقم 181. بل ان القرار القديم (قرار التقسيم لم يثبت فقط حق عرب فلسطين، وهم راسخون على ارض وطنهم، بدولة خاصة بهم، بل انه يخصص لهذه الدولة على الاقل 46% من المساحة التاريخية لفلسطين. ومع ذلك، فان هذا النص، ما زال منذ اربعة وستين عاما، يقبع على رفوف الاممالمتحدة، يكسوة الغبار ويكاد يمحي حروفه، بينما موازين القوى بين العرب والحركة الصهيونية، هي التي تصنع الواقع على ارض فلسطين المغتصبة. الامر نفسه ينطبق على قرار دولي آخر صدر في العام 1967 ويقضي بانسحاب اسرائيلي فوري من الاراضي العربية التي احتلتها بالقوة في تلك السنة. ومرة اخرى يبقى القرار قابعا على رفوف الاممالمتحدة يكسوه الغبار حتى يكاد يمحو حروفه، بينما موازين القوى بين العرب والحركة الصهيونية، هي التي تحدد، مصير الاراضي المحتلة في العام 1967، في غزة والضفة الغربية والجولان، وليس نص القرار الدولي. ومن المؤسف ان يترافق الصخب الذي تحيط به السلطة الفلسطينية موعد ايلول في الجمعية العمومية، وكأنه لحظة الانطلاق لتحرير فلسطين، او حتى لاقامة دويلة على ما تبقى عربيا من ارضها، والذي يكاد لا يتجاوز العشرة بالمائة من ارض فلسطين التاريخية، ان يترافق هذا الصخب مع نجاح الحركة الصهيونية، بنفوذها الدولي، ان ترهب دولة اوروبية طالما كانت صديقة للعرب وقضاياهم (خاصة فلسطين) فتدفعها الى محاصرة الاسطول المتوجه الى غزة لفك حصارها، بضغط اقتصادي على اليونان في ذروة مصاعبها المالية. إن ذرة واحدة من الجهد لم تبذلها السلطة الفلسطينية، ولم يبذلها اي نظام عربي مع اليونان، لامر بهذه البساطة، فكيف تكون حال الوزن السياسي للسلطة الفلسطينية وللانظمة العربية في مواجهة الحركة الصهيونية في مسألة بأهمية اقامة دولة فلسطينية؟ انظروا مشهدا آخر لمدى وزن القوة العربية المسخرة لقضية فلسطين، في معبر رفح، الذي لم ينجح ربيع الثورة المصرية حتى الآن، في إنهاء وضعه الاشكالي، وفتحه كليا بين غزة ومصر، وفقا للمصالح العربية العليا، لا وفقا لمقتضيات الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة. ليست هذه دعوة للتشاؤم، لكنها دعوة لعدم بناء مزيد من الاوهام على موعد ايلول، طالما ان السلطة الفلسطينية تؤكد انه اذا فشل هذا الموعد، فليس امامها سوى المفاوضات، والمفاوضات، والمفاوضات. وأي شيء أكثر تشتهيه اسرائيل لمواصلة تهويد ما تبقى من ارض فلسطين التاريخية؟ انه سراب ايلول الفلسطيني، يبدو للبعض ماء زلالا، لن نرتوي به الا بعد ان يعم الربيع العربي كل ارجاء الوطن العربي، وتبلغ ثماره مرحلة النضج الكامل في كل قطر عربي. نقلا عن السفير: