الإرهاب ضد الحرية والديمقراطية ودولة القانون والحداثة والعقل والشراكة الوطنية. هو بالمطلق ضد هذه القيم السياسية والإنسانية العالمية السامية. والاستبداد لا يؤمن بالديمقراطية لأن الحكم المستبد هو في حد ذاته عدو الديمقراطية، لأنه لو توفرت الديمقراطية لأزاحت الاستبداد وألغته، والاستبداد لو تواجد فإنه يعدم الديمقراطية. هما عدوان لدودان. كلاهما، الإرهاب والاستبداد وجهان لعملة واحدة. كلاهما، في خدمة بعضهما البعض. كلاهما، ينموان ويكبران ويتمددان ويعتاشان في وجود بعضهما البعض. كلاهما شقيقان أبا وأما، وتسري في عروقهما نفس الدماء التي ترفض وتعادي المدنية والحرية والكرامة وحقوق الإنسان والعدالة والقانون والدستور حتى لو أقر الاثنان بالقوانين والدساتير. لذلك نرفض الإرهاب والاستبداد جملة وتفصيلا. ولا أمة أو دولة في العالم تقدمت خطوة واحدة تحت حكم جماعة أو نظام يمارس الإرهاب أو ينتهجه ويؤمن به، هناك أنظمة تمارس إرهاب الدولة الرسمي، والنظام السوري نموذجا، وكذلك كل الأنظمة الطغيانية التي على شاكلته، سوريا لم تتطور خطوة واحدة في ظل الاستبداد، ولما قامت الثورة وأضاف النظام الإرهاب إلى الاستبداد، فإنها تراجعت ودخلت كهف التاريخ المظلم، وقد تحولت اليوم إلى أكبر خرابة في العالم تقريبا. "طالبان" قادت إلى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، والصومال تفتت على أيدي أمراء الحرب والجماعات المسلحة، والعراق يتمزق تحت ضربات ميليشيات العنف والإرهاب من كل الطوائف والمذاهب، والثورة في سوريا تضررت كثيرا من بروز جماعات مسلحة وتصدرها المشهد، وليبيا في اقتتال أهلي على السلطة بين المسلحين من جيش حفتر وفجر ليبيا إلى أنصار الشريعة وغيرهم، وجماعة الحوثي المتطرفة تقود اليمن إلى مزيد من التخلف بعد بسط نفوذها على معظم البلد، وهكذا في كل بلد تحط عليه أفكار وجماعات وسلوكيات الإرهاب الثقيلة الوحشية فإنه يخرج من التاريخ والحضارة والإنسانية والعقل والقيم والضمير. لا يحتاج الحكم المستبد في المنطقة العربية -ومنها مصر قبل ثورة يناير- وفي العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله لجنوبه دليلا على أنه فاشل ولم يحرز أي تقدم ولم يحقق أي مستوى كريم من العيش لشعبه ومها كان تحت يديه من موارد طبيعية، بل هو يبدد تلك الموارد على مغامرات أو حماقات أو فساد دون أن تستفيد منها الشعوب. والربيع العربي كان ضد الاستبداد قبل أن يكون ضد الفقر والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، واليوم لا يتعلم أحد الدرس عندما يرتد الربيع العربي في دورة معاكسة إلى استبداد جديد أشد من الذي ثار عليه الناس وأسقطوه. والأنظمة المتسلطة التي لم تنتفض عليها شعوبها هي الأكثر سعادة لأنها تقول لمواطنيها اقبلوا بأوضاعكم بعد أن شاهدتم ماذا حصل في بلدان الثورات والأحلام. لكن الحقيقة أن الاستبداد هو من يوفر حواضن نشوء الإرهاب، أو يتغذى الإرهاب على الاستبداد، فعندما تنسد كل النوافذ وتغلق كل الأبواب أمام الشعوب وخصوصا الشباب، وعندما تتفشى المظالم الاجتماعية والاقتصادية، وعندما تموت السياسة ويزدهر الأمن، وعندما ينخر الفساد ويفتقد الناس للعدالة والمساواة وتعيش فئات وشرائح طبقية محدودة في رغد من العيش بينما غالبية السكان العظمى ما بين الفقر والموت جوعا ومرضا وبردا وتشريدا فماذا يمكن أن يحدث في ظل تلك البيئات الطاردة من الحياة بل القاتلة للحياة؟، وهنا تتساوى الحياة مع الموت فتنشط الأفكار المتطرفة والعنيفة ويبدأ النزوع تجاه الغضب على المجتمع والتسلح بأفكار العنف وممارسته وهذه هي الوصفة المعروفة لظهور العنف ورواج بضاعة من يريدون صناعة الإرهاب وإذا أُضيف لذلك وجود خلل في بنية التفكير والرؤية والاعتقاد لدى فصائل تنسب نفسها للإسلام ولا ترى غير القوة والسلاح تحت عنوان الجهاد للتعبير عن نهجها وفرض أفكارها ومشروعها فإننا هنا نكون أمام إرهاب يتوحش ولا ينظر خلفه ليراجع نفسه أو يتراجع عن طريقه. أعظم خطر على مصر أن تقع بين فكي الرحى، إرهاب واستبداد. هذه دوامة لا تنتهي وطالما أحدهما موجود فإن الآخر يتسع ويتمدد. والاثنان يغتالان حلم بناء الدولة الحديثة الذي لا يريد أن يتحقق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.