أصدر ملتقى منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة تقريرًا مجمعًا عن حالة حقوق الإنسان فى مصر خلال الأربعة أعوام الماضية، والذى سبق وأرسله إلى مجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة فى مارس الماضي، والذى تضمن أخفاق الحكومات المتعاقبة فى تقليل الانتهاكات والعمل على ضمان الحقوق التى تحتاج تغييرات فى السياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية، وفقًا لما جاء بالتقرير. قال البيان إن التقرير، الذى شارك فى إعداده 19 منظمة مصرية مكونة للملتقى، ركز على مجموعة من الحقوق الإنسانية المهمة ومدى تطورها خلال السنوات الأربع الأخيرة، آخذًا فى الاعتبار الاحتجاجات الشعبية العارمة التى ميّزت تلك الفترة، وتعاقب الأنظمة السياسية فيها.
"2010 – 2014.. حكومات عدة وتقصير مشترك"
وأضاف أن القاسم المشترك الأساسى على مدار تلك الفترة كان المطالبة الشعبية بأوضاع أفضل لحقوق الإنسان، غير أن الحكومات المتعاقبة برغم اختلافها سياسيًا، أخفقت فى تقليل الانتهاكات والعمل على ضمان الحقوق التى تحتاج تغييرات فى السياسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والقضائية، وفقًا لما جاء بالتقرير.
وخلص إلى أنه رغم مطالب المصريين المتكررة من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتقدم منظمات حقوق الإنسان بمقترحات للحكومة مرارًا وتكرارًا لتحسين حالة حقوق الإنسان فى مصر؛ إلا أن غياب الإرادة السياسية لتحسين حالة حقوق الإنسان يظل العائق الأساسى لتدهور حالة الحقوق والحريات حسبما ذكر البيان . وقال تقرير المنظمات المستقلة: "انتهكت كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2010 العديد من الحقوق مثل الحق فى التجمع السلمى وحرية تكوين الجمعيات وحرية الرأى والتعبير، فضلاً عن الاعتداءات الجنسية على المتظاهرات، بينما لم تحرز تقدمًا يذكر فى تحسين أوضاع الفقراء والخدمات الصحية والتعليمية والسكن". ودعت المنظمات الموقعة على البيان منظمات الملتقى، الحكومة المصرية لاجتماع مشترك تدعى إليه كل المنظمات المشاركة فى وضع هذا التقرير، لمناقشة كل من التقارير الحكومية والمستقلة عن حقوق الإنسان بالبلاد قبل الاستعراض الدورى أمام الأممالمتحدة، كما تدعوها لإعلان التزامها مسبقًا، وقبل الاستعراض، بعدد من التوصيات المقدمة من المنظمات المستقلة.
وأشار البيان إلى أنه لا يمكن إغفال أن اللجنة الحكومية التى تم تكليفها بإعداد التقارير الرسمية إبان الاستعراض الدورى الشامل الأول لمصر أمام الأممالمتحدة فى 2010، كانت حريصة أثناء عملية إعداد التقرير الحكومى على التشاور والتواصل مع منظمات حقوق الإنسان المعنية برصد وتوثيق حالة حقوق الإنسان، على عكس اللجنة الحالية التى أعدت تقريرها الحكومى بشكل منفرد. وحذرت منظمات الملتقى من أن هذا الانفراد قد يكون مؤشرًا أو دليلًا على تجاهل الحكومة لمنظمات حقوق الإنسان المستقلة التى بذلت جهدًا مدققًا فى وضع تقريرها.
وسبق ووجهت حكومة محلب إنذارًا بحل المنظمات الأهلية المسجلة تحت مظلة قوانين أخرى، ما لم تعد تسجيل نفسها تحت قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لعام 2002، قبل موعد غايته 10 نوفمبر، أى بعد ثلاثة أيام من انتهاء الأممالمتحدة من المراجعة الدورية الشاملة لوضعية حقوق الإنسان فى مصر!
واكد البيان أن 14 صفحة ترصد أوضاع مصر ، حيث عمد تقرير ملتقى منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة إلى تقييم مدى وفاء مصر بالتزاماتها التى أقرّتها فى دورة الاستعراض الأولى فى 2010، والتى بلغ عددها 119 توصية، بدءً من التزامها بحماية الحق فى الحياة، مرورًا بالحق فى المحاكمات العادلة، الحق فى حرية الرأى والتعبير، الحق فى حرية الاعتقاد، والحق فى حرية التجمع السلمي،والحريات الطلابية والنقابية، وحرية الإعلام والنشر، وكذا الحق فى المشاركة السياسية، بالإضافة لحقوق النساء وحقوق الطفل. وأوضح البيان، أن التقرير ذكر أنه على مدى السنوات الأربع الأخيرة، ونتيجة سياسات القمع العنيف التى اتبعتها أجهزة الأمن وخاصة فى فض الاعتصامات والمظاهرات واستخدام الأسلحة "المميتة بصورة غير متناسبة تعرض الحق فى الحياة، لانتهاكات صارخة ولقى آلاف الأشخاص مصرعهم". وفى السياق ذاته، أشار التقرير أيضًا إلى «انتهاك الحق فى الحياة الذى يُمارس ضد العسكريين والمدنيين من قِبل الجماعات الإرهابية، التى لم تنجح الحكومات المتعاقبة فى وضع حد لممارستها الإجرامية، التى بدأت فى شبه جزيرة سيناء ثم امتدت لباقى أرجاء الجمهورية ووصلت للعاصمة لتحصد مئات الأرواح».
وركز التقرير، فى 14 صفحة، على الحق فى المحاكمة العادلة، وغياب آلية فعالة للمحاسبة على الانتهاكات الجسيمة التى تعرض لها المصريون خلال السنوات الماضية، الأمر الذى شكك فى نزاهة أى آلية للانتصاف وإقامة عدالة حقيقة، فضلاً عن الزيادة البالغة فى أعداد المدنيين الخاضعين للمحاكمات العسكرية بما فى ذلك القُصّر. كما لفت التقرير الانتباه إلى أنه وفى انتهاك صارخ لحقوق الطفل، يناقش المجلس القومى للطفولة والأمومة حاليًا بعض التعديلات القانونية للمواد التى تسمح بإنزال عقوبة الإعدام أو عقوبة الأشغال الشاقة على الأطفال بين 15 و18عامًا.
تطرق التقرير بشكل مفصل للحق فى حرية التنظيم وتكوين الجمعيات، مشيرًا إلى أنه برغم قبول مصر للتوصيات بشأن حرية تكوين الجمعيات فى الاستعراض الدورى الشامل الأول لها؛ فقد تقاعست الحكومات المتعاقبة عن تعديل القانون رقم 84/2002 بشأن الجمعيات، بل طرحت تشريعات بديلة، من شأنها وضع العراقيل والمعوقات الشديدة فى وجه منظمات المجتمع المدني.
وفى هذا الصدد أشار التقرير إلى الهجوم الحاد على منظمات المجتمع المدنى الذى وصل إلى حد اتهام المنظمات علانيةً على صفحات الجرائد بالخيانة والعمالة للخارج، واستدعاء نشطاء حقوقيين للتحقيقات، بالإضافة إلى اقتحام مقرات منظمات حقوقية مصرية ودولية (فى فبراير وديسمبر 2011، وديسمبر 2013).
وعن حرية النشر والإعلام، لفت التقرير إلى التغييرات الإيجابية المحدودة التى أقرها دستور 2014 فى هذا الصدد، والتى تبقى نصوص وضمانات دستورية لم تترجم بعد إلى تشريعات، مشيرًا إلى أن مشاريع القوانين التى طُرحت فى هذا الصدد جاءت فى جوهرها متناقضة مع هذه الضمانات الدستورية.
ويوثق التقرير كذلك استمرار انتهاكات الحكومة لحرية النشر تزايد الاعتداء على الصحفيين ،ورصدت المنظمات إحالة العديد من الصحفيين والمدونين للمحاكم العسكرية كما رصدت تزايد حالات الاعتداء على الصحفيين والمدونين، بالإضافة إلى تعمد الحكومة غلق بعض الصحف والقنوات والاعتداء على مقراتها.
وركز التقرير على الحق فى التجمع السلمى والانتهاكات الجسيمة التى نالت منه، سواء على المستوى التشريعى من خلال تقديم نقد لقانون التظاهر الذى فرّغ حق التجمع السلمى من مضمونه، فى مقابل إطلاق يد قوات الأمن فى التعامل مع المتظاهرين، أو على مستوى الممارسات القمعية والعنيفة فى التعامل مع التظاهرات، والتى أسفرت عن مقتل ما يقرب من 2000 مواطن فى الثلاث سنوات الماضية.
بالإضافة إلى "تعرض النساء المشاركات فى التظاهرات للعديد من التعديات وصلت إلى حد الاغتصاب الجماعى المتكرر، والذى عجزت قوات الأمن عن منعه أو عن تعويض الناجيات منه، بل على العكس توثق المنظمات النسوية محاولات للضغط على الناجيات لسحب شكاواهن، وتثبت بالوقائع تعاطف بعض رجال الشرطة مع الجناة وتحقير أو مضايقة الناجيات"، على حد قول التقرير.