أصبح اردوغان رئيس الجمهورية التركية فى وضع بالغ الصعوبة كما أراه، وقد لا يراه الاتراك كذلك، ولكن أردوغان فى كل الأحوال سيظل اسطورة فى صعودها وسقوطها ولكن حرصنا على أن تفلت هذه الاسطورة من المأزق الذى يواجهها يدفعنا إلى الكتابه فى هذا الموضوع الشائك. ذلك أن أردوغان يمثل نموذجاً فذا للحكم الإسلامى الذى يطبق الإسلام المعتدل الصحيح بلا ضجيج ودون أن يزدحم خطابه السياسى بالمصطلحات الإسلامية. ويبدو أن طاقة اردوغان تقف عند مستوى معين من التحديات وبعدها تتناوشه الازمات. وسوف نحدد فوراً المأزق التى يتعرض لها خاصة بعد عدد من النذر أخرها الاستفتاء الدولى على أفضلية أسبانيا على تركيا لعضوية مجلس الأمن فى انتخابات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نهاية الأسبوع الثانى من أكتوبر 2014. المأزق الأول، هو المأزق الداخلى. فقد نجح أردوغان فى تحدى الصعود الاقتصادى لتركيا والاستقرار السياسى الديمقراطى ووضع الجيش والقضاء كلا فى مكانه. مثلما حقق فى سياسته الخارجية الكثير ولم يتنبه إلى الحلول التى يقف عندها فى قضايا الداخل والخارج التى تكالبت عليه بالعشرات. وفى الداخل بدأت المسألة الكردية بحكم التطورات فى سوريا والعراق المرتبطة بداعش تطفو فى تحد ظاهر له بعد أن كانت تسويتها تقترب لترسم له نجاحاً جديدا. ثم ظهر خلافه الحاد مع التيار الإسلامى الحليف له بقيادة جولن وأرجو أن يتمكن من تسوية هاتين الثغرتين. الثغرة الثالثة داخلياً هى أن الاغترار بنجاحه دفعه إلى المبالغة – فى رأينا – فى الضغط على قيادات الجيش والقضاء خاصة وأنه انتقل إلى رئاسة الجمهورية قبل ظهور الاثار السلبية التى نتوقعها فى المسرح الداخلى. والملاحظ أن قوى متعددة تستغل تشدد أردوغان فى الداخل وتدفعه دفعاً إلى مأزق ديمقراطى لكى تتأكل شعبيته ويكثر معارضوه وتضطره إلى التضيق على الحريات التى كان كسبها من أهم انجازاته. المأزق الثانى هو الوحل الذى طاله من كل الجوانب فى الأزمة السورية ذلك أنه كان من أهم انجازاته الخارجية التقارب مع سوريا والعداء لإسرائيل والتعاطف مع الفلسطينيين ولكنه لم يتنبه إلى أن اسقاط الأسد هو أكبر انتصار لغريمته إسرائيل التى بدأت تخطط ضده منذ أن واجه اسطولها العسكرى السفينة المدنية مافى مرمرة فى عرض البحر المتوسط وتقتل تسعه من ركابها الاتراك وهى رسالة من شقين : الأول أن لإسرائيل اليد الطولي فى البحر المتوسط والثانية، أن سقف اردوغان فى القضية الفلسطينية يقف عند حدود قريبة لا سيما وأن واشنطن تدعم إسرائيل ضد حليفتها فى الناتو كما أن المحقق الدولى فى الحادثة انحاز لإسرائيل. فقد أصبحت تركيا ملاذا للمعارضات السورية المسلحة وغير المسلحة ومنطلقاً للهجوم على سوريا وأصبح صوت أردوغان ضد الأسد أعلى من صوت واشنطن وإسرائيل فحمل نفسه مالا يمكن تبريره من الناحية الاقتصادية والسياسية. ولذلك فهو بحاجة ماسة إلى اعادة تقيم سياساته فى سوريا لأنه وأن بدا متعاطفاً مع الشعب السورى فانه يعلم أن الشعب السورى ضحية الصراع الاقليمى الذى تبرز تركيا كأحد أقطابه، وتقف دون أن تدرى إلى جانب إسرائيل التى قلمت أظافر تركيا العربية خاصة وأن تركيا كانت تطمح إلى توثيق علاقتها بإسرائيل وجلب الاعتراف لها من العالم الإسلامى عندما توسط أردوغان مع باكستان لكى تعترف بإسرائيل لولا اغتيال بينظير بوتو بطل المشهد. المأزق الثالث، هو التصور الاردوغانى لفكرة الخلافة الإسلامية. فالخلافة تاريخياً انتهت من الناحية العملية بعد عصر الخلفاء الراشدين وبدأت الدولة الأموية دولة سياسية وأن كان لها الفضل الكبير فى معظم الفتوح الإسلامية ثم غلبتها الدولة العباسية ونقلت عاصمة الخلافة من دمشق إلى بغداد ثم انهارت دولة الخلافة التى لم تكن مركزاً للحكم في العالم الإسلامى من الناحية الفعلية بالهجوم التتارى فى القرن الثالث عشر وعندها انتقلت الخلافة إلى مصر ثم انتقلت إلى تركيا بعد الغزو العثمانى لمصر عام 1417 وظلت رمزية فى تركيا تستغل احياناً من الناحية السياسية حتى ألغاها كمال اتاتورك .وكان الغاؤها منطقيا مع انهيار الدولة العثمانية واستقلال ولاياتها ثم صارت الخلافة بكائية شهيرة عند المنتفعين حتى ظن البعض أن منظمة المؤتمر الإسلامى قد انعقدت لها الخلافة. أما من الناحية الشرعية فقد ظهرت لها مزاعم كثيرة وتفسيرات دينية مغلوطة تتناقض تناقضاً كاملاً مع الواقع الدولى المعاصر. والخطأ الذى قد يعصف بأردوغان هو اعتقاده بأن المطالبة بالخلافة سوف تعود إلى الدولة العثمانية مرة أخرى وهذا وهم لا علاقة له بالحلم الذى حررها اتاتورك منه لولا أنه حارب الدين تحت شعار العلمانية. فالاعتماد على التيارات الإسلامية تبعد اردوغان عن قواعد العلاقات الدولية الصحيحة وتدفع تركيا ثمناً باهظا من علاقاتها ورصيدها مع المحيط الاقليمى. وفى هذا الصدد نذكر موقف اردوغان مما حدث فى مصر يوم 3 يوليو وعزل الرئيس محمد مرسى. صحيح أن هاجس تاريخ الانقلابات العسكرية فى تركيا مسؤول عن موقف اردوغان من النظام الجديد فى مصر ولكنه شعور تجاوز مرحلة الصحة إلى مرحلة المرض والهاجس. أننى أخشى أن تأخذ هذه المأخذ بخناق أردوغان فى الداخل والخارج وقد ينتهى الأمر بما يحاذر منه وهو أحياء دور الجيش التركى فى السياسة .