تحوّلت شوارع العاصمة السنغالية داكار مساء الاثنين الماضي إلى ساحة حرب حقيقية بين آلاف الشباب الغاضبين وقوات الأمن، في حدث غير مسبوق، يعكس درجة الاحتقان التي يعيشها الشباب السنغالي المحبط حتَّى الثمالة. الاحتجاجات الشعبيَّة التي تشهدها العديد من المدن السنغالية منذ عدة أيام، تأتي قبل أقل من سنة من موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة (فبراير 2012)، وهو ما يعني أنها قد اكتست حلة سياسية بامتياز. فالشعب السنغالي الذي يواجه همومًا يومية تزداد صعوبة وتعقيدًا يومًا بعد يوم، لم يعد يثق في وعود "التغيير" التي بشر بها عبد الله واد، غداة انتخابه رئيسًا للسنغال عام 2000. فيوم الخميس الماضي شهدت العاصمة السنغالية داكار مظاهرات حاشدة، احتجاجًا على مشروع قانون لتعديل بعض مواد الدستور، قدّمه الرئيس عبد الله واد. وبموجب التعديل المقترح الذي تمت صياغته على مقاس الرئيس واد سيكون من الممكن انتخاب رئيس الدولة في الشوط الأول من الانتخابات بمجرد حصوله على 25 % من الأصوات المعبر عنها. ويقضي الجانب الآخر من التعديل المقترح والذي يعد الأكثر استفزازًا للشارع السنغالي باختيار نائب للرئيس على الطريقة الأمريكية، يخلف الرئيس في حالة العجز عن تحمل المهام، أو تقديم الاستقالة، وذلك بحجة ضمان استقرار مؤسسات الدولة. ويرى المحللون السياسيون أنَّ مشروع القانون هذا يهدف في الواقع إلى بلوغ نتيجة واحدة، وهي فرض اختيار ابن الرئيس كريم واد كخلف لوالده. والواقع أنَّ الرئيس عبد الله واد تراوده منذ عدة سنوات أحلام النظام الملكي. وقد كان المراقبون يتوقعون أن يؤدي الفشل الذريع لكريم واد في الانتخابات البلدية كمرشح على مستوى العاصمة داكار عام 2009 إلى صرف الرئيس عبد الله واد النظر عن مشروعه لتوريث السلطة لابنه كريم. لكن الرئيس فاجأ الجميع بتعين ابنه كريم على وحدة من أهم وزارات الدولة (وزارة النقل والبنى التحتية)، وهو ما يمكّنه من التحكم في ثلث ميزانية الدولة السنغاليَّة. ونتيجة للرفض الشعبي الواسع للتعديل الدستوري المقترح، إضافة للمعارضة الدوليَّة، فقد اضطر الرئيس عبد الله واد لسحب مشروع القانون المثير للجدل. لكن هذا التراجع لم يؤد إلى تهدئة المشاعر عكسًا لما كان يتوقع الرئيس واد وإنما دفع الشباب السنغالي الذي يقود حركة الاحتجاجات الشعبية إلى رفع سقف مطالبه، حيث أصبح يُنادي بضرورة أن يعدل "العجوز"، والبالغ من العمر رسميًا 85 سنة عند الترشح للانتخابات الرئاسيَّة المقبلة. وحجة هؤلاء أنَّ الرئيس عبد الله واد، الذي انتخب لأول مرة عام 2000، قد أُعيد انتخابه ثانية عام 2007، قد استنفد فترتي الحكم اللتين يسمح بهما الدستور، وبالتالي فلا معنى لمحاولته الترشح للمرة الثالثة! المعارضة السنغاليَّة الضعيفة والمنقسمة على نفسها؛ لا تبدو اليوم أحسن حالاً مما كانت عليه إبان انتخابات عام 2007 عندما فشلت في مواجهة الرئيس عبد الله واد وإلحاق الهزيمة به، بسبب الصراعات الداخلية والطموحات الشخصية لقادتها. لكن دخول هيئات المجتمع المدني وكذلك المنظمات الشبابيَّة كفاعل أساسي في المشهد السياسي الجديد بالسنغال، قد يجعل إمكانية حدوث "ربيع سنغالي" قضية وقت لا أكثر. ترجمة/ سعد بن أحمد (الاسلام اليوم)