كوشنر: الرئيس ترامب واجه اتفاق غزة المستحيل بكل قوة    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل طفلا فلسطينيا ومستوطنون يعتدون على مزارعين    هالاند يقود النرويج لاكتساح إسرائيل بخماسية فى تصفيات كأس العالم    وزير الرياضة يزور حسن شحاته و"لبيب" ومرتضى منصور    النرويج ضد إسرائيل بتصفيات المونديال.. تعرف على ترتيب المجموعة    نبيل فهمي يهدى مذكراته لمكتبة التلفزيون خلال صالون ماسبيرو الثقافي (صور)    بالأبيض والأسود.. ظهور مفاجئ للفنانة رحمة أحمد.. شاهد    متحدث إغاثة غزة: اللجنة المصرية ترسم الأمل بجهود إنسانية برعاية الرئيس السيسي    وزير الصحة يبحث مع شركة دراجر العالمية تعزيز التعاون لتطوير منظومة الصحة في مصر    وزير الشباب والرياضة يتابع استعدادات الجمعية العمومية للنادي الأهلي    ضبط 5 أطنان دواجن فاسدة داخل مجزر غير مرخص بالمحلة الكبرى    صوروه في وضع مخل.. التحقيقات تكشف كواليس الاعتداء على عامل بقاعة أفراح في الطالبية    اقرأ غدًا في «البوابة».. ترامب وماكرون وعدد من زعماء العالم في مصر    حزب الإصلاح والنهضة: اتفاق شرم الشيخ انتصار للدبلوماسية المصرية يؤسس لواقع جديد بالمنطقة    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    شريف فتحي يبحث تعزيز التعاون السياحي مع قيادات البرلمان والحكومة الألمانية    وصول هنادي مهنا للعرض الخاص ل فيلم أوسكار عودة الماموث    أفضل طرق تقليل استهلاك البنزين: نصائح فعالة لتوفير الوقود وتحسين أداء جميع أنواع السيارات    9 مرشحين بينهم 5 مستقلين في الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر ومرشح عن حلايب وشلاتين    محافظ الأقصر يقوم بجولة مسائية لتفقد عدد من المواقع بمدينة الأقصر    المايسترو محمد الموجى يكشف ل«الشروق» كواليس الدورة 33 لمهرجان الموسيقى العربية    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    وزارة الري: إدارة تشغيل المنظومة المائية تجري بكفاءة عالية لضمان استدامة الموارد    رسميًا.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    لامين يامال يغيب عن مواجهة جيرونا استعدادا للكلاسيكو أمام ريال مدريد    رئيس جامعة قناة السويس يشارك في وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لشهداء الوطن    وزير خارجية الصين يدعو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سويسرا    وفقًا لتصنيف التايمز 2026.. إدراج جامعة الأزهر ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    هل متابعة الأبراج وحظك اليوم حرام أم مجرد تسلية؟.. أمين الفتوى يجيب "فيديو"    QNB يحقق صافى أرباح 22.2 مليار جنيه بمعدل نمو 10% بنهاية سبتمبر 2025    مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية: لا تفشٍ لفيروس كورونا مرة أخرى    نزلات البرد.. أمراض أكثر انتشارًا في الخريف وطرق الوقاية    التوقيت الشتوي.. كيف تستعد قبل أسبوع من تطبيقه لتجنب الأرق والإجهاد؟    بتهمة خطف طفل وهتك عرضه,, السجن المؤبد لعامل بقنا    قيل بيعها في السوق السوداء.. ضبط مواد بترولية داخل محل بقالة في قنا    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    إيهاب فهمي: "اتنين قهوة" يُعرض في ديسمبر | خاص    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط سائق يسير عكس الاتجاه بالتجمع الخامس ويعرض حياة المواطنين للخطر    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    «المشاط» تبحث مع المفوض الأوروبى للبيئة جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    نائبة وزيرة التضامن تلتقي مدير مشروع تكافؤ الفرص والتنمية الاجتماعية EOSD بالوكالة الألمانية للتعاون الدولي    انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار اللحوم اليوم السبت في شمال سيناء    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحدث قبل سامراء وبعدها ولكن ..
نشر في المصريون يوم 07 - 03 - 2006


عندما يعلن المسؤول عن المشرحة في بغداد أن عدد الجثث التي استلمها في غضون الأشهر الماضية تجاوز حد ال 7000 جثة، وغالبيتها مصابة في طلقة واحدة في الرأس، وبكسور في الأطراف، وآثار المثاقب الكهربائية، وبينهم الرجل والمرأة والطفل، عندما يعلن المسؤول هذه الحقيقة ثم يهرب من العراق، وعندما نعلم أن الذين قتلوا بإحراق المساجد والدور التي تلت تفجير القباب في سامراء كانوا نحواً من 400، فالاستنتاج واضح: وهو أن المجزرة لم تبدأ بتفجير القباب، ولن تتوقف بتبويس اللحى الذي حصل في المنطقة الخضراء بين بعض زعماء السنة والشيعة بعد التفجير، وأن المجزرة تلتهم المدنيين بمعدلات تتجاوز بسهولة حد الألف في الشهر الواحد في بغداد ومحيطها، ناهيك عن المدن الأخرى، وعن محافظة البصرة التي يشكل السنة فيها نسبة الثلث، وعن الجيوب السنية الكثيرة في منطقة الوسط والجنوب. لم يطرأ شيئاً على مشهد حمام الدم في الأيام التي أعقبت أحداث سامراء. الذي طرأ هو الغطاء الإعلامي الذي صاحب تلك الأحداث، والذي غاب بقية الأيام والأسابيع والأعوام، تاركاً عزلاء السنة يذبحون على طريقة صبرا وشاتيلا، بعيداً عن الأنظار، وعلى بعد مئات الأمتار فقط من مكاتب ووكالات الإعلام والفضائيات. والذي تغير وطرأ هو المظاهرات "السلمية" التي دعا إليها السيستاني والتي ارتكب خلالها القتل وحرق أكثر من 200 مسجد في بغداد وحدها. المهم في الأمر أن الجميع شجبوا في بيانات رسمية أعمال "القتل الإجرامية"، وكانت الإدانة من نصيب الأشباح. أما أهالي الضحايا أو الناجون فيتحدثون عن فرق خطف تابعة لجيش المهدي، ونقاط تفتيش يشرف عليها فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية تسمح للخاطفين بالعبور أثناء ساعات منع التجول، وفرق موت تابعة لمغاوير وزارة الداخلية، وتنتقل الضحية وهي في طريقها إلى مصيرها المحتوم من أيدي جيش المهدي، إلى فيلق بدر، إلى مغاوير الداخلية. ما يتمناه الأهالي هو أن يكون طارق الليل هو الجندي الأمريكي، وليس الطائفي من مغاوير وزارة الداخلية أو فيلق بدر، أملاً في هامش ولو ضيق من حقوق المعتقل، ومعرفة سبب الاعتقال ومكانه وإمكانية الزيارة، وأملاً في عودة المفقود، وهي كلها مفردات ليس لها وجود في قاموس الميليشيات الطائفية. لقد أخذت الأرقام المجردة حظها من الكتابة والخطابة والجدولة، لكن ذاكرة بغداد تسجل أرقاماً قياسية جديدة ودلالات تاريخية، وتتزاحم فيها أسماء جديدة مع أخرى تاريخية، فبغداد صولاغ ما عادت تحدث أبناءها عن المغولي الذي كان يقول للرهط من أهلها: مكانكم، لأذهب وآتي بالسيف وأقتلكم، فيفعلون. الخروج من المنازل في بغداد اليوم هو للضرورة فقط، والمرأة البغدادية التي تقدمت شقيقاتها العربيات، وحازت أعلى الشهادات، وتصدرت الجامعات والوزارات، هذه المرأة تتزوج اليوم في السادسة عشر ربيعاً من عمرها، وتلازم البيت، بدلاً من أن تذهب إلى المدرسة وتطلب المعرفة، خشية الخطف والاعتداءات، وإذا تذكرنا في هذا المقام قول الشاعر: الأم مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق، يكون الشطر الآخر من المأساة قد اتضح للقارئ! لو استطاع أهل بغداد 1427ه العزّل النزول والتخفي في بلاليعها، كما فعل أجدادهم في بغداد 656ه نجاة بأرواحهم لفعلوا، لكنهم اليوم يتخفون بطمس أسماء عمر ومروان وعائشة، التي أصبحت عبءاً أمنياً، وهرباً من فرق اغتيالات وزارة الداخلية، ومليشيات بدر، وإطّلاعات (المخابرات) الإيرانية، وينزعون كل ما يدل على نسبهم السياسي الحقيقي الذي يقاصصون من أجله دونما التفات إلى فكر أو فلسفة أو سيرة اجتماعية. لقد دمرت بغداد في المرة الأولى يوم لم يكن في الدنيا إذاعة وتلفزيون وفضائيات وهواتف جوالة، لكن ما وصلنا من الأجداد عن حجم الدمار، وهوية الفاعل، والمتواطئ، والمستفيد، والخاسر، وطبيعة الخسارة، فاق كماً ونوعاً ما أوصلته إلينا التقنية الرقمية المعاصرة، على مدى ثلاثة أعوام كاملة من الاحتلال، ولازال اسم العلقمي في لغة الإعلام، وبعد ثمانية قرون، رديفاً لمعنى الخيانة والتواطؤ، لا لندرة العلاقمة، وإنما لغبش الرؤية وعدم النزاهة عند من يعنيهم الأمر. عذراً هولاكو، إن قُرنت أفعالك بأفعال حكام بغداد الجدد، فالتاريخ يشهد أنك ما أردتَ أكثر من تدمير عاصمة حضارة، واستعصت هذه الحضارة على انتصارك العسكري، فما لبثت أن دخلت أنت وجندك في دين الحضارة التي أجريت دجلة حبراً من دواوينها. ولا زال في بغداد اليوم حي أسمه "تتران" نسبة إلى ساكنيه من أحفادك الذين اتسعت لهم الدار، وقبلهم مجتمع الحضارة العربية الإسلامية وهو في ذروة انكساره العسكري. أما بغداد المنصور اليوم، فتُلطم على وجهها العباسي العربي المسلم، ودار السلام تنزع عنها حليتها العباسية التي عرفها العالم بها على مر العصور، وتغنّى بها الشعراء في قصائدهم، وتُستبدل أسماء أحيائها وشوارعها بأخرى عزيزة على الأدبيات الصفوية، وتقنص عقولها، ويُنسف نصب مؤسسها أبي جعفر المنصور في توقيت له مغزى لا تخطئه الذاكرة الحضارية، وهو الذكرى 1281 لتأسيسها، ولعمري منذ متى وهذه المناسبة تُنتظر وترصد؟ وكيف خُلّدت هذه المناسبة في "المفكرة الصفوية البرمكية" حتى حان أوان تنفيذها؟ إن ما يُفعل ببغداد الإسلام والعروبة اليوم، إن جلب الأسى، فإنه لا ينبغي أن يجلب الدهشة، سواء أتى من الأمريكان أو من شركائهم الصفويين، فهذا هو ما يفعله كل غاز بفريسته من الحضارات الأخرى. إن ما يجلب الأسى هو أن أهوال بغداد الرشيد ودلالتها، لا زالت وبعد ثلاثة أعوام على السقوط، تقع خارج إطارها التاريخي، ولا زالت تمسكها ذاكرة الأحياء دون الدواوين، لكن هذه الأهوال ستغيب عندما يغيّب الموت هؤلاء الأحياء، وتضيع صفحات مهمة من التاريخ، فلا تجد الأجيال القادمة ما تقرأ عن هذه الحقبة، كالذي نقرأه نحن اليوم. وليس هذا مسلك الشعوب والحضارات التي تبتغي الحياة. معهد المشرق العربي وإيران [email protected]

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.