تعتبر قضية "حلايب وشلاتين" لغزا لا يمكن فهمه على وجه الدقة.. وترتبط بها مواقف شديدة الغرابة.. ففي حين تعتبرها مصر منطقة مصرية خالصة ولا تفريط فيها.. فإن تقارير صحفية نشرت في مايو 2014، تضمنت تفاصيل تناقضت مع الموقف المصري الرسمي واعتبرت تحديا خطيرا للسيادة المصرية.. وننقل ما نشرته تفصيلا آنذاك وكالة الأنباء السودانية الرسمية: فقد احتفلت الفرقة 101 مشاة البحرية بورتسودان ب"عودة القوات المرابطة في حلايب، بعد أن تسلمت القوات البديلة لها مواقعها بالمنطقة، بعد انقضاء فترة رباط القوات العائدة، وفقاً لنظام القوات المسلحة في هذا المجال."
ونقلت الوكالة عن والي ولاية البحر الأحمر السودانية، محمد طاهر ايلا، تأكيده على دور القوات المسلحة في "حماية الوطن، وتحقيق مبدأ سيادة السودان على أراضيه"، مبيناً أن وجودها بمنطقة حلايب "تعبير عن السيادة السودانية بالمنطقة."
أما اللواء الركن بلال عبد الماجد، قائد الفرقة 101 مشاة، فقد توجه بالتحية للقوات المسلحة ل"صمودها في حلايب"، وأشاد ب"مجاهدات القوات النظامية الأخرى، واستعدادها للفداء والتضحية من أجل سيادة الوطن." انتهى. المدهش أنه في ذلك الوقت أي قبل خمسة شهور لم يصدر أي تعقيب من الجانب المصري، وهو ما أبرق رسالة شديدة الاضطراب بشأن الموقف من قضية "حلايب وشلاتين": وترك التساؤلات بشأن تبعيتها حائرة في الوعي الجمعي المصري. وفي عهد حكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، استخدمت ورقة "حلايب وشلاتين" في "ملاعبة" الجماعة، ودخلت في خزانة أدوات المعارضة في تصفيته معنويا، حين تردد بعد عودته من زيارة للخرطوم بأنه أبدى للرئيس البشيررغبته في التخلي عن سيادة مصر على المثلث".. وهو ما نفته الرئاسة في حينه. يوم أمس 10/9/2014.. نشرت تقارير لا تعرف مصادرها بأن الحكومة السودانية قررت اعتبار منطقة "حلايب وشلاتين"، المتنازع عليها مع مصر، دائرة انتخابية سودانية بانتخابات 2015. واستغلت تلك التقارير المزعومة، في إثارة النزعة الوطنية المتطرفة، لدى بعض قادة الأحزاب "الورقية" واتخذوها سبيلا للمتاجرة والارتزاق السياسي والتزلف إلى القيادة المصرية الجديدة، ونظمت حملات للتحريض على السودان.. على ذات الخطاب الإعلامي الغوغائي الداعي إلى عمل عسكر مصري ضد ليبيا. واعتبرها بعض السياسيين المهوسين، جزءا من "مؤامرة كونية" تضم تركيا وقطر والسودان وأمريكا، لتكوين ما تسمى ب" دولة دامس" والتي لا تبعد عشرة كيلو مترات جنوب حلايب في العمق السوداني الموقف المصري الرسمي رغم تحفظه فإنه يظل متمسكا بهدوئه ورصانته.. ولكن هذا الهدوء وتلك الرصانة، توفر بيئة يختمر فيها الخطاب التضليلي والتحريضي.. ويثير من التساؤلات بشأن حلايب وشلاتين أكثر مما يقدمه من إجابات للرأي العام.. ولا ندري ما إذا كان هذا الملف سيظل مؤجلا على أجندة أولويات القيادة السياسية إلى أن تجد نفسها أمام معضلة وأزمة شبيهة بأزمة سد النهضة. أو ما إذا كان هذا السكوت يعني علامة رضا على ما اتخذته السودان من اجراءات إدارية بشأن حلايب وشلاتين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.