ذات يوم ،فى مملكة الحيوان والطير المعروفة فى كتاب كليلة ودمنة ،اجتمعت قبيلة الحمير لتنظر فى أمر الإساءة البالغة التى لحقت بها بسبب الشيخ منصر ،وبعد مناقشات طويلة قررت رفع الأمر إلى الملك ،وشكّلوا وفدا منهم برئاسة شيخ الحمير لمقابلة الأسد وهو ملك المملكة.توجهوا إلى عرين الملك وطلبوا الإذن بالدخول فأذن لهم ثم سألهم : ماخطبكم أيها الحمير ؟ قال شيخ الحمير : ياأيها الملك ، إنك تعلم أن منّا من يعمل عالم الإنسان فنساعدهم فى أمور حياتهم ونتحمّل قسوتهم علينا ،إذ يلهبون ظهورنا بالسياط ، ويضربونا بالعصىّ الغليظة على فقرات ظهورنا دون شفقة أو رحمة ، ناهيك عن عدم إطعامنا بما يعيننا على ما يكلفوننا به من أشق الأشغال ، ونحن مخلوقات ضعيفة عاجزة عن حماية نفسها ضد ظلم الإنسان ، وأيام الانجليز كانت توجد فى مصر جمعيات للرفق بالحيوان مهمتها الدفاع عن حقوق أمثالنا،والآن لم يعد لها وجود ،ومع هذا نحن نتحمّل كل هذا ونتحلّى بالصبر ، إلى أن وقعت الواقعة التى أصابتنا ببالغ السوء وهمّ عظيم،فلجأنا إليك نرفع شكوانا طالبين العدل والانصاف والقصاص . الملك : ماهى تلك الواقعة ، وما هى شكواكم ؟ شيخ الحمير ياأيها الملك ، إن أحد بنى أدم ويُدعى الشيخ منصر قد انتحل شخصية حمار حلّ فى جسده ، وراح يبرطع فى القنوات الفضائية يقول أسوأ القول وأفحشه ، فيتطاول على الشريعة والدين ، وعلى أسياده المسلمين ،وعلى العلماء الأجلّاء ورثة الأنبياء ويدّعى أنه منهم ،ويستضيف فى برامجه الروث من القوم ،فيتقيأون بالغثاء من القول ،مما دفع النّاس إلى القول أن هذا الشيخ حمار، فأساء لسمعتنا وأهدر كرامتنا ،فنحن معشر الحمير لا نقبل بهذه الأقوال والأفعال ولانرضى أن تُنسب إلينا والأمر إليك أيها الملك فانظر ماذا ترى.. *بعد عرض الشكوى على هذا النحو قدّم شيخ الحمير للملك أدلة الإثبات ،وهى تسجيلات بالصوت والصورة لبرامج الشيخ منصر ومن يستضيفهم فيها. *تأكد الملك من ثبوت الجريمة فأصدر أمراً بالقبض على الشيخ منصر لمحاكمته ، وقال لفتيانه: أيّكم يأتينى به ؟ قال بن آوى: أنا ءاتيك به قبل فجر الغد . · تنكر ابن آوى فى هيئة بشر ،وتوجه إلى الشيخ منصر فى قناة ال WC،ودخل عليه فقال : يا أيها الشيخ الجليل ،أنا محسوبك سليمان ،تاجر زيوت من طهران ،جيت قاصد نصيحتك يا سيد على بابا .. قال الشيخ منصر : القناة قناتكم ..وأنا تحت أمركم. قال ابن آوى : ما بالك تُضيّع وقتك فى هذه القنوات التى لاتجزل لك ما تستحقه من عطاء ؟ إننى أقدم لك عرضا سخيّا، بأن تٌقدم برامجا فى قناتنا الفضائية ،التى تبث برامجها من مغارة فى فى مملكتنا ،والمغارة مليئة بالذهب والياقوت والمرجان ،هات معك كام شوال وعبّى منها ما تشاء،فهيّا معى إلى حيث الثروة الطائلة والنعيم المقيم . قال منصر فى نفسه : أعبّى أعبّى ؟ أحمدك ياربّى..ثم أخذ الأجولة وذهب معه ،وعندما وصلا إلى المغارة دخلا فوجدها خاوية على عروشها ،وأغلق ابن آوى عليه الباب فأدرك الشيخ منصر أنه ضحية مكيدة وأنه رهن الاعتقال فى سجن رهيب . *أعلن الملك أن الشيخ منصر سيُحاكم محاكمة علنية فى ضحى اليوم التالى ،ودعا جميع الرعية فى المملكة لشهودها. فى الموعد المحدد جيئ بالشيخ منصر وأُقيمت مراسم المحاكمة على رؤوس الأشهاد.. وجه الملك خطابه للشخ منصر وواجهه بجرائمه وأدلة الإثبات ثم قال: يا شيخ المنصر :ما قولك فيما هو منسوب إليك ؟ أدرك الشيخ منصر انه لاجدوى من الإنكار لأن الأدلة موثقة بالصوت والصورة، فعزم على أن يعترف بالحقيقة لعلّه يستدر عطف الملك ،فقال : أيها الملك ..الآن حصحص الحق.. أنا اعترف بجرائمى اعترافا كاملا..وألتمس الرأفة و الرحمة .. فقال له الملك : وما حملك على هذه الافعال الشنعاء التى أساءت لقبيلة من مملكتنا وأغضبت شعب المملكة؟ الشيخ منصر : يا مولاى الملك ، إنّى وجدت أهل الباطل والنفاق شوكتهم قوية وأصواتهم عالية ،يغسلون عقول النّاس ، ويهدمون الشريعة والدين ،ويجمعون من ذلك الملايين من الدولارات والدنانير ، فانحزت إلى جانبهم لأحصد الثروة والأموال ، وأكون بعد ذلك من القوم الصالحين . قال له الملك : أيها الأحمق المأفون ، لقد اشتريت الحياة الدنيا بالآخرة ، وغاب عنك أن الحق أبلج والباطل لجلج ،أى أن الحق ظهروالباطل تفّرق و ذهب، وأن الباطل لايدوم أبدا ولابد ان يندحر ويظهر الحق بدلا منه . قال الشيخ منصر : هذا من تغفيل عقلى وقِصر نظرى ..الرحمة يامولاى. *انتهت المحاكمة ودخل الأسد إلى عرينه ليتشاور مع وزيره ،وجميع الفصائل تنتظر النطق بالحكم وعلى رؤوسهم الطير . *خرج الملك من عرينه وجلس على عرشه ،واشرأبّت الأعناق فى انتظار النطق بالحكم . ..... أٌلقى الملك بياناً مختصراً قال فيه : أيها الرعية ..إن العدل أساس الملك وحصن الأمن ، هو الإنصاف وإعطاء المرء ماله وأخذ ما عليه ،كما أن العدل هو ضد الظلم ،والعدل هو رعاية الحقوق كاملة ،فبالعدل توزع الحقوق على المخلوقات حسب الأولويات الطبيعية ،بينما الظلم يعنى سحق تلك الأولويات وبالتالى إضاعة حقوق الآخرين. فالمجتمع الفاضل يقوم على العدل، الذي يصل بالمرء إلى أن يعرف ما له من حقوق فلا يطلب أكثر منها، وما عليه من واجبات فلا يقصر في أدائها، وهنا يتلاشى الصدام و الخصام، ويتحقق للمجتمع القوة والعِزة،و الحب والوئام، و ،ويشيع الأمن والسلام. ثم وجه الملك خطابه إلى الشيخ منصر فقال : يا أيها الشيخ ..إن جزاءك وجزاء من هم مثلك الذين يسعون فى الأرض فسادا أن يُصلّبوا حتى تأكل الطير من رؤوسهم ، جزاءً وفاقاً بما قدمت أيديهم ، وليكونوا عبرة لغيرهم من الأشرار، ولكننا سنأخذك بالرأفة لاعترافك بجرائمك دون مراوغة أو إنكار.. يا أيها الشيخ ، ما أمرُّ من عيش المرء مع زوجة حيزبون ،عديمة الدين ، كئيبة الوجه سليطة اللسان ، فتلك الزوجة هى سيئة الدنيا ،ما تعاشر زوجاً إلا تُحيل حياته إلى جحيم ،وتصيبه بالجنون والقُراع... ولمّا كان ذلك كذلك ، فقد حكمنا عليك بالزواج من البومة الفضائية حمّالة الحطب. قُضِى الأمر. *وما أن سمع الشيخ منصرهذا الحكم حتى أصاب قلبه الرُّعب ،ونزلت به صدمة عصبية ، فنهق النهقة الأخيرة ، وشهِق شهقة النهاية ، وخَرّ صعِقاً ..ومات...... أمر الملك بأن يُلقى بجثته فى الخلاء، لتنهشها الكلابُ والسِباع ، والطيُر والضِباع. ***