العنوان مستفاد فيه بأحد عناوين الإمام أبو حامد الغزالى، والأهل المقصودون هنا هم أساتذة العلوم التربوية.. فصدق أو لا تصدق عزيزى القارئ أنه منذ عام 1837، حتى العام الحالى 2014، أى طوال 177 عاما، لم يشغل أساتذة التربية موقع وزير التربية إلا أربع سنوات، موزعة كالآتى: إسماعيل القبانى، عقب قيام ثورة يوليو 1952: 17 شهرا- الدكتور عبد العزيز السيد، عام 1967: 9 أشهر- الدكتور عبد السلام عبد الغفار، عام 1984: 13 شهر- إبراهيم غنيم، فى عهد الدكتور محمد مرسى( تعليم صناعى) : حوالى سنة! أكتب هذا وقد تحررت والحمد لله من فرص التطلع إلى الموقع، بحكم تجاوزى فى العمر سبع وسبعين عاما ، مما يرفع عنى الحرج من أن أكون " عبده مشتاق"! وليست هذه هى المرة الأولى التى أكتب فيها فى هذه القضية، لكن هى المشكلة التى يعانى منها كُتاب مثلى، إذ ينبهون وينتقدون ، ويقترحون، ثم يجدون منطق" يبقى الحال على ما هو عليه" ، هو الحاكم فيعاودون القول مرة تلو أخرى، لكن من فى أذانهم وقر أن يسمعوا، ثم يقتنعوا، ثم يغيروا ما عليه واقع الحال" المايل"! لكن هذه المرة ما جعلنى أعاود الكتابة فى القضية ما ورد فى قانون التعليم الجديد المقترح، من ضرورة أن يكون وزير التربية من التربويين، وهو أمر جديد ملفت للنظر، يذكرنا بالميزة التى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى له وحده الحق فى اختيار وزير الدفاع أو إعفائه. لكن النص الجديد المقترح " ملتبس" حقا، صحيح أن توصيف " التربوى " هو من يحمل مؤهلا تربويا، لكن ، نظرا لأن مهنة التعليم التحق بها كثيرون ممن لم يتخرجوا من كليات التربية، فإن هناك احتمالا لأن يبرز تفسير يدعى بأن كل من مارس مهنة التعليم فهو تربوى، وبالتالى يطبق هذا على جميع أعضاء هيئة التدريس بالجامعات! وأنت عندما تنعى البعد عن أساتذة التربية فى توزر وزارة التربية، تجد المبررون يقفزون فورا إلى مقولة صحيحة علميا، وهى أن منصب الوزير : سياسى، وليس فنى، وهو الأمر الذى نجده بالفعل فى وزارات الدول المتقدمة، لكنك لابد وأن تلفت النظر بشدة وفورا إلى الواقع المصرى، صائحا: اشمعنى؟ فوزير الدفاع لابد أن يكون من القوات المسلحة، ووزير الداخلية من الشرطة، والأوقاف من علماء الدين...وهكذا قل فى كل الوزارات على وجه التقريب، دائما يشغلها واحد من " أهلها"، مما دفع المتابعين إلى القول بأن الوزراء فى مصر وزراء " تكنوقراط"، أى: فنيين، من أهل الاختصاص.. فلماذا التربية دون غيرها لا يشغلها متخصص؟! يا أهل الحكم: اتفقوا على معيار واحد وطبقوه على الجميع، تخرس ألستنا، أما ازدواجية المعايير عند التربية وحدها، فهذا لا يعنى إلا امتدادا لعادة تعيين مدرسين من غير من تأهلوا تربويا فى كليات التربية، وهذا وذاك، لا دلالة له إلا أن أهل التربية هانوا على أهل الحكم ! والحقيقة أن من طريقتى فى التفكير، البحث فى الداخل أولا، قبل البحث فى الخارج، فإذا وجدت الآخرين لا يحترمونى، ولا يقدرونى، فقبل لومهم لابد أن أبحث فى ذاتى أولا: فلعلى أصلا لم أحترم نفسى، وهُنت على نفسى، فهُنت على غيرى...وكل هذا لا ينفى وجود أسباب خارجية، لكنى أومن إيمانا قويا أن الرياح العاتية لا تقتلع من الشجر إلا غير المتجذر فى التربة.. الاحترام لا يأتى من خارج، وإنما هو إشعاع ينبعث من داخل، فيفرض نفسه على الآخرين. المكانة لا يصنعها المكان، وإنما تصنعها الإرادة الذاتية المتغذية بالمعرفة المتخصصة، والعامة معا، الموصولة بالفاعلية فى ترك بصمات على مسيرة العمل فى المجال. إن هذا يفتح الباب واسعا لمناقشة قضية الجماعة المهنية التربوية: لماذا هى لا حول لها ولا قوة فى المسار التربوى العام؟ لقد تشرزموا فى العديد من الجمعيات العلمية، كل همها أن تعقد مؤتمرا سنويا تناقش فيه مجموعة بحوث غاية فى التخصص قد لا تهم إلا من يدورون حولها ، وهم قد لا يزيدون عن العشرات، وكذلك تصدر مجلة لنشر الأبحاث الأكاديمية لا توزع إلا بالعشرات من النسخ، لكنها تعوض ذلك " بذبح" من يريد نشر بحثه بتكليفه دفع مئات الجنيهات. وتثور قضايا عامة فى التعليم: الثانوية العامة- القبول فى الجامعات- الدروس الخصوصية- الأمية- الامتحانات..إلخ ، فلا نسمع صوتا، حيث كل مجموعة منكفئة على نفسها، وكأننا أمام صورة معاصرة من دول الطوائف، مما يجعل كلا منها لا حول له ولا قوة،والخاسر الأكبر، هو الوطن، وهى المهنة، فضلا عن المحتمين بسقفها!!