نواصل الحديث عن الدور السياسي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العصر الحديث 7- المساهمة في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين من خلال زيادة مستوى المعرفة والإدراك والوعي لدى جماهير ، بالتجارب والخبرات والممارسات الإيجابية للدولة الأخرى ، فيما يتعلق بقضايا التنمية والديمقراطية والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد وتطبيق حقوق المواطنة ومبادئ الشفافية ، فضلاً عن تدعيم المقارنة بين ما يجرى في هذه الدول والممارسات التي تجرى في دولهم، بما يسهم في تدعيم وتعزيز الوعي السياسي لديهم ، فضلاً عن تغذية ورفع مستوى طموحاتهم وتطلعاتهم بشأن قضايا الإصلاح والتطور الديمقراطي ، بل وتتعاظم درجات المطالبة بتطبيق هذه الممارسات في دولهم ، وهنا يبرز دور شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف صورها ، والتى كان لها دور واضح في زيادة وتنمية ذلك الوعي لدى مستخدميها وهو ما أكدته نتائج دراسات وبحوث عديدة.. وفى هذا الإطار يؤكد الكثيرون على دور هذه الوسائل فى تشكيل المدركات السياسية للأفراد من خلال تزويدهم بالمعلومات عن الشئون والقضايا السياسية ، وتركيز إدراكهم لأهمية هذه القضايا وفقاً لما تقدم من مضامين في تفسير وتحليل لأحداث وترتيب أولوياتها وحكمهمم على السلوكيات المقبولة من المجتمع ، ومساعدتهم في ربط الأحداث والمواقف السياسية ببعضها البعض، فضلاً عن تأثيرها على الراى العام، حيث تؤثر في آراء وأحكام الراى العام نحو القضايا المختلفة ، كما تعد انعكاساً للرأي العام السائد والتغيرات التي تطرأ عليه نحو هذه القضايا، في ضوء المتغيرات والعوامل المصاحبة للعولمة الإعلامية Globalization of mass communication. 8- تدعيم دور المعارضة السياسية : حيث أسهمت ثورة الاتصالات والمعلومات فى تعزيز وتدعيم دور الأحزاب وقوى المعارضة السياسية، من خلال ما أتاحته من وسائل لهذه الأحزاب ساعدتها في نشر أفكارها وبرامجها السياسية والتعريف بأنشطتها وتقديم الكوادر السياسية والقيادية بها ، بل واستقطاب أعضاء جدد في صفوفها، بالإضافة إلى ما وفرته لقوى المعارضة المحظورة داخل بعض الدول العربية التي تمارس دورها من الخارج من أساليب حديثة في التواصل مع المواطنين والجماهير داخل أوطانها، بعيد عن المطاردات والملاحقات الأمنية ، حيث سمحت للناس بالرؤية عن بعد والاطلاع والحوار ومعرفة بعضهم للبعض الآخر ونقل تجاربهم ومعطيات انجازاتهم فيما بينهم وصولا إلى حالة الانتشار والتعميم ، فحتى في ظل حكم أشد النظم الاستبدادية تسلطا ، مكنت الإنترنت حركات المعارضة الموجودة في الخارج من الوصول إلى الداخل والانضمام إلى الحوار السياسي والمشاركة فيه. 9- إنهاء احتكار النظم الحاكمة للمعلومات : فقد ساعدت ثورة المعلومات والاتصالات فى توفير مصادر متعددة ومستقلة للمعلومات خارج دائرة وسيطرة النظم السياسية الحاكمة ، وهو الأمر الذى ينهى احتكار هذه النظم بأجهزتها ووسائلها المتخلفة للمعلومات ، أو على الأقل تقلص من قدرتها على ذلك ، فضلاً عن تأثيرها في الحد من قدرة النظم الحاكمة على إخفاء الممارسات الاستبدادية والتسلطية ، وتضع قيوداً على قدرة الدول في التوسع في مثل هذه الممارسات خاصة فيما يتعلق بقضايا الحريات وحقوق الإنسان وذلك تحسباً لاحتمال الكشف والفضح لهذه الممارسات من قبل المنظمات غير الحكومية أو بعض الدول مما قد يؤدى إلى شن حملات دولية ضد هذه الممارسات والانتهاكات. وانطلاقا من إيمان السياسيين والحكام بتعاظم دور تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتأثيرها في العملية السياسية ، فإنهم دائما - خاصة فى الدول التي لا تتمتع بقدر كبير من الديمقراطية - يستهدفون السيطرة على هذه الوسائل لضمان أن المعلومات والممارسات التي تعرض فيها تخدم مصالحهم السياسية ، ومن ثم فإن فرض الرقابة ، والحرص على السيطرة على هذه الوسائل بهدف التحكم فى المعلومات التي تصل إلى الجمهور ، وهو ما يعد من أكثر الصعوبات التي تعترض الممارسة الديمقراطية وتدعيم مبادئ الحكم الرشيد، حيث بلغ العداء لاستخدام الانترنت في الحريات وفقا تقرير الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات عن ندوة : " الانترنت والحريات" والتى عقدت بالقاهرة عام 2007، حدا في 2004 احتلت به الحكومات العربية مركزا للصدارة في قائمة العداء للانترنت . . وأصبح هناك موقفا مزدوجا . . فنفس الحكومات التي تروج لانتشار الانترنت وتشجع علي استخدام الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية . . هي نفسها التي تقمع المستخدمين للانترنت في المسألة الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي. 10- ساعدت في تقديم وعرض الأفكار والآراء الخاصة بالمرشحين السياسيين فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما كشفت وفضحت حجم الممارسات الأمنية والمحلية والسلوكية المعيبة والسلبية سواء للأفراد أو المرشحين ومؤسسات الدولية ، فضلاً عن إبراز السلوكيات الخاصة بالرشاوى الانتخابية وشراء الأصوات وإحداث البلطجة والعنف والتدخلات الأمنية والحكومية فى نتائج الفرز وتحديد المرشحين الفائزين فى العديد من الدوائر الانتخابية. 11- وفرت أداة هامة إمام المواطنين لجمع المعلومات حول القضايا العامة لتعبئة شبكات المجتمع خلفها ، وجعل هناك شبكة متعددة حول كيفية وضع حلول ملائمة لتلك المشكلات التي تعترض المواطن العادي فى حياته اليومية، والتى يتم نقلها في المدونات والصحافة الالكترونية والمواقع الاجتماعية العامة والتى تشكل جماعه ضغط تدافع عن هذه الحلول عبر أنظمة التصويت الالكتروني أو عدد أعضاء تلك المجموعات وجمع التوقيعات والأعضاء فى المجموعات البريدية بالإضافة إلى استغلال ما يتيحه الانترنت من وسائط إعلامية فى نقل الحدث أو القضية نصا وصورة وصوت وفيديو عبر الانترنت ، للمساهمة فى تغيير الأفكار وتعبئة الرأي العام والضغط على صانعي القرار أو معالجة سلبيات داخل المجتمع للعمل على إيجاد نوع من الشفافية ومواجهه الفساد، كما وفرت لحركات التعبير السياسي المختلفة أيا كان مسماها ، إمكانات جديدة لم تكن موجودة في ظل وسائل التعبير والمشاركة السياسية التقليدية ووسائل الإعلام التقليدي ، وأسهمت في تسهيل سرعة الاستجابة للأحداث السياسية بمجرد تحرير رسالة الكترونية على أي موقع ، وإرسالها إلى العناوين الالكترونية المختلفة أو نشرها على المواقع المختلفة ، تغير في ظلها مفهوم التظاهر والاحتجاج ، فلم تعد هناك حاجة لحشد بشرى مادي كبير للتعبير عن الاحتجاج أو الرفض ، وإنما أصبحت الرسائل الاحتجاجية أو التأييدية المتداولة عبر الانترنت وسيلة بديلة أثبتت فعالياتها السياسية التي تغنى عن المظاهرات الحاشدة . 12- إتاحة الفرصة لكافة الثقافات والتيارات والهويات والعرقيات المختلفة للتعبير عن نفسهما بشكل من شانه إن يعزز من قيمة الاختلاف داخل المجتمع الدولي ، ويدفع من قيمة الحوار والسلام، وظهور دبلوماسية افتراضية جديدة تلعب بها الشعوب دورا أساسيا للتفاعل فيما بينها ، كما منحت تلك الوسائل الفرص للمواطنين خاصة الشباب لتبادل وجهات النظر فيما بينهم ، من أجل المطالبة بتحسين إيقاع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي انتظمت في تونس مروراً بمصر واليمن وليبيا والبحرين والأردن، وانتقلت تلك الأفكار الرافضة للسياسات بسهولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الى الوطن العربي كله ، فلم تعد تكنولوجيا المعلومات الاتصالات هى العامل الأساس للتغيير في المجتمع فحسب، لكنها أصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي, في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم ، فالمضمون الذي تتوجّه به عبر رسائل إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية أو غيرها، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل انه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها. 13- المساهمة فى تطوير وتحسين العمل في البرلمانات والمجالس التشريعية ، حيث تعد تكنولوجيا المعلومات التي تنصهر مع العمل البرلماني في بوتقة واحدة مربط فرس الديمقراطية حالياً في أي دولة من دول العالم ، فالعمل البرلماني يحتاج إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات في جميع مجالاته ، حتى يمكنه تقديم صورة كاملة عن أدائه وحتى يمكن بعد ذلك الحكم على هذا الأداء ، يحتاج العمل البرلماني إلى استخدام كل وسائل الشفافية لأنه يعبر عن نبض العمل الديمقراطي داخل الدولة ، والتقصير في استخدام التكنولوجيا يعد تقصيراً في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والنزاهة والشفافية وبالتالي المحاسبة والمصداقية ، ويمكن ان يتم ذلك من خلال توفير المعلومات بكافة صورها وأشكالها أمام أعضاء البرلمان، وتوثيق أعمال المضابط الخاصة بجلسات المجالس النيابية ، وغيرها. والواقع انه على الرغم من أهمية الدور السياسي الذى تلعبه تكنولوجيا المعلومات الاتصالات ، إلا أن ذلك غير كاف ، فلكي يحدث التغيير في المجتمعات العربية، لا بد من أن يصاحبه تغيير في "الذهنيات والعقليات ، وفي البنية الثقافية ككل حتى يتم التأقلم مع الأوضاع الجديدة ، حيث لا تمثل تكنولوجيا المعلومات الاتصالات العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها أصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي وتنميته. إن الخبرة والتسهيلات الجديدة التي وفرها التكنولوجيا في مجال التنظيم والاتصال والمعلومات ، غيرت المعادلة القديمة فى التغيير التي كانت تضطر قوى التغيير إلى الاعتماد على دعم دول أخرى في نضالها السياسي، كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. أن تكنولوجيا المعلومات، مهما كانت قدرتها على إحداث التغيير المجتمعي، لا تهب المجتمعات حريتها، وإنما هي أداة لدعم الممارسة الديمقراطية ، وهذه الأداة لا تقتصر على استخدام الإنترنت في التصويت في الانتخابات، بل تتجاوز ذلك بكثير إلى قضايا عديدة تتعلق بالجوانب المختلفة لآلية الانتخابات والتصويت، والمسوح التي تتم على الإنترنت، واستطلاعات الرأي، والاحتجاجات، والعصيان المدني وغيرها، لقد نجحت البيئة الرقمية في توفير بنية أساسية متكاملة للديمقراطية، ترتكن إلى منظومة متكاملة قادرة على تداول المعلومات المستخدمة في الممارسة الديمقراطية بغاية السرعة.
* أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة المنوفية