(الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد) ..حكمة بليغة من الفقيه العالم الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه وهي عبارة تحوي من المعاني والعبر عكس ما تحويه مقولة الدكتور مصطغى محمود الكاتب والمفكر الكبير الذي قال : ( الثائر المزيف هو الذي يحاول ان يغير كل شيء...عدا نفسه !!) ففي العبارتين تباين في المضمون وإن اتحد الموضوع والحق في اللغة هو ما يدل على الثبوت والصحة بينما الزيف هو ما لا ثبات له عند الاختبار. ووفقا لاقوال الشعراوي ومصطفى محمود ينقسم الثوار إلي صنفين : الصنف الأول هو الذي يحمل قضية وهدفا ومبدأ يسعى لتحقيقة من خلال إعادة البناء وتصحيح الاوضاع ... وهو ما رأيناه من معظم ابناء شعبنا المصري العظيم بعد ان اكرمنا الله بنعمة الحرية . أما الصنف الثاني فهو على النقيض من ذلك : - فالثائر الحق هو من يرى الثورة وسيلة للتغييرتنتهي بتحقق الاهداف بينما المزيف يريد ان تعيش البلاد حالة من الفوضى والاضطراب تماثل ما يعيشه هو من فوضى في العلاقات والأفكار والسلوك حتى المظهر والسمات. - والثائر الحق إنسان يؤمن بقيم عليا يطمح لتطبيقها ويلزم نفسه بها ويجد في ذلك متعته وسعادته بينما المزيف فيرى أن (شخصه) هو القيمة الوحيدة وأن غاية الوجود هو تحقق متعته التي يحد منها التقيد بنظام او قانون أو معتقد . - والثائر الحق هو من عانى القهر ودفع ضريبة الحرية حين تصدي للبغي ورفض الظلم وظل يحلم بشروق شمس الحرية ويدعو من حوله للمشاركة في مدافعة الباطل ومغالبته وقت ان كان المزيف غائبا في سحابات الدخان متقمصا دور البطولة بالنكتة والقفشة في اللحظات التي يفيق فيها من خدر الفوضى والضياع . - والثائر الحق هو من يدعو الناس للعمل ويشاركهم فيه إن لم يتقدم صفوفهم أما الآخرفإنه يدعوهم لما لا يعمل ويناديهم بما لا يلتزم به. - والحق هادىءٌ وقور يستمد وزنه مما يحمل من أفكار ومباديء لكن الزيف عالي الصوت كثير الهرج يحاول دوما أن يدلل على صدقه بالصخب والشغب والرفض لكل منطق والإعتراض على أي تصور .... (خالف تعرف) !! - ففي حين ( يكثر) اتباع الحق تجد ( الكثرة) في كلام الزيف وفي حين (يطول) صبر الحق ترى (التطاول) من خصائص المزيفين فهم يرمون خصومهم بالتهم التي أصلها فيهم ( رمتني بدائها وانسّلت ) - والحق يشارك من حوله التصورات والرؤى والحلول لأن قضيته هي تحقق (غاياته) وليس (تأكيد) وجوده أما المزيفون فيرفضون التشارك ويميلون للإنعزال وكل ما يعنيهم هو تصدر المشهد واعتلاء المنصات - ولأن (الطيور على أشكالها تقع ) تجد الحق يجتذب حوله أهل الحكمة والخلق ممن يفضلون العمل على الضجيج في الوقت الذي يلتف فيه المهرجون من محبي الشهرة والصخب حول راية الزيف . - وطريق الحق مؤكدة النتائج لأن العمل فيها يقوم على رؤية وخطط وبرامج بينما يخبط المزيفون خبط عشواء وقد شهد التاريخ كيف عانت الشعوب والأوطان حينما ساد المشهد زعماء مزيفون غامروا بمقدرات بلادهم تحت نشوة (التجريب) و (الحداثة) ولعل أكبر نموذج على زعماء الزيف جارنا الغربي القابع على صدر ليبيا وقلبها !! - واحقاقا للحق فإن المزيفين بارعون في نسج الأوهام لا الأحلام فالفارق كبير بين الحلم الذي يدفع للعمل والوهم الذي يتغطى بالتمادي في الكسل والجمود مدعيا الصمود !! - ومما يزيد من بريق الزيف أنه يداعب خيالات الواهمين بمصطلحات رنانة تلقى صدى عند الغرير قليل الحنكة وذلك من قبيل ( مشروع النهر العظيم ) و(من الأبرة حتى الصاروخ) حتى وعد الحبيبة ببناء قصر عالي والخطف من الليالي ..وتلك العبارات التي (تدوخ) (أحلى الصبايا) ممن يتمنى ان يكون (الهوى ... هوايا!!) وكما أشرنا ففي التاريخ العديد من الشواهد والدروس ترينا انه في الوقت الذي تتحد فيه شعوبا متباينة اللغات والاديان نجد أحد المغامرين يقسم الدولة الواحدة الى دولتين ويسعى الى الاتحاد مع دولة تفصل بينها وبين بلده ألالاف الاميال والبحور والجبال في تجربة لا نظير لها في الجغرافيا ولا الفيزياء أيضا لأن الفيزياء تعلمنا ان التحام المواد يستلزم تقارب خصائصها فعملية اللحام والتلاصق لا تتم بين الحديد والخشب وذلك لتباين الخواص والظروف - الخطورة أن الزيف حين يسود أمه مثل الفكرة الشيوعية في روسيا مثلاً أو فكرة الجماهيرية عند الأخ القائد !! فإن الآثار المدمرة طويلة المدى عميقة الأثر تمتد لتخرب كل مقومات المجتمع ومقدراته حتى تصل إلى تفكيك (صواميل) الشخصية للمواطن العادي كل هذا يتم بالتوازي مع حملات نشطة محمومة تشيد ليل نهار بالإنجازات والنجاحات التي يشهدها الوطن كل لحظة..وبالطبع كل هذا الهراء لا يؤمن به إلا الأصنام الكبيرة ومن يأكل على موائدهم من كتاب ومطربين ومذيعين وكلاب حراسة شرسة ولا تخرج الأمة من مخالب الزيف إلا وقد خسرت (الجلد والسقط) ومع ذلك تجد من بجاحة أهل الزيف وصفاقتهم قدرة عجيبة على تبرير قوائم المخازي الطويلة بمقولات من نوعية أن الزعيم الملهم لم يكن يعلم بالتفاصيل (الآن فهمتكم) على رأي (بن علي) أو أن التجربة لم تأخذ الوقت الكافي رغم حالة الانفراد الشديدة التي اتيحت لزعماء الزيف عقودا من الزمن وكأن (جوقة) الزيف عالية الصخب والصوت تريد من الشعوب المطحونة أن تتوجه لميادين مصطفى محمود – في شتى البلاد- لتعتذر للمجانين !! والآن ومصر على مفترق الطرق تبحث عن دليل يقود خطاها عبر رحلة البناء وتضميد الجراح ... والشعب المصري يختار لنفسه لأول مرة في التاريخ الحديث . فهل نبني بلدنا بما ينفع من مواد البناء (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) أم ننخدع بزيف (الصفيح) !!!! . إذا كان الغراب دليل قومٍ سيهديهم إلى دار الخرابِ إذا كان الغراب دليل قومٍ يطوف بهم على جيف الكلابِ فهل يهتدي المخدوعون .... وهل يرتدع أهل الخداع اللهم ان مصر قد قاست من طول الخراب .. فلا تجعل أمرنا في يد (غراب) !!! آمين .... ملحوظة اخيرة : من الصدف الطريفة أن يتحدث الدكتور مصطفى محمود (صاحب الميدان) عن الزيف !! وأن يتحدث الشعراوي الرمز (الاسلامي) عن البناء !!