مرة أخرى، القلب مسكون بالحزن على المجندين الذين استشهدوا غدرا منذ عدة أيام في "الوادي الجديد ". هم منا ، ونحن منهم، نحن المصريون الذين لانطلب من مصر شيئا غير الستر والمحبة والأمن والاستقرار والعدالة ، نحن الذين نعمل ونبني بلادنا بالجهد والعرق، وليس بالرياء والنفاق . نحن الذين لا نأخذ من مصر كثيرا، بل أقل القليل، وأحيانا لا شيء على الإطلاق، ومع ذلك نعطي ونقدم الكثير، بينما غيرنا يأخذ كل ما يريد وأكثر، وأحيانا من دون عمل وتعب. من هو المجرم الذي فكر في قتل هؤلاء، وهم من بسطاء الناس ولا ناقة لهم ولا جمل فيما يحدث في مصر؟. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال إباحة دم أي مصري أو أي إنسان جندي أم غير جندي نظامي أم غير نظامي فقتل النفس بغير الحق وخارج دولة القانون والعدالة يدفع المجتمع إلى فوضى مدمرة. وجزء مهم من أزمة مصر هي الدماء التي سالت والتي لاتزال تسيل بلا حساب ولا رادع من دين ولا قانون ولا ضمير ولا أخلاق ولن تخرج مصر من كبوتها ولن تشفى جراحها ولن تستعيد بعضا من تماسكها الاجتماعي إلا بعد إيقاف نافورة الدماء والتحريض عليه من أي طرف وبعد إنصاف كل الدماء التي أريقت بالقصاص والتعويض العادل وبضرورة نيل رضا أولياء الدم جميعا منذ 25 يناير وحتى اليوم. في السابق كان الدم المصري عزيزا وكان الضمير الوطني ينتفض عندما يسيل من شخص واحد، بينما اليوم يتبلد الإحساس أمام الدماء في الشوارع والميادين والمعسكرات وعلى أبواب وداخل المقار الأمنية التي يتم تفجيرها بمن فيها. بلغ الانحطاط مبلغا عظيما أن يشمت فريق في دم الجنود والضباط، ويشمت فريق آخر في دم المتظاهرين ضد السلطة وكلا الفريقين مصريان لكنهما صارا عدوين ظاهرين فأي دولة ستنهض وأي مجتمع سيبنى وهو شامت في بعضه وهو لا يقيم حرمة للروح والنفس والدم؟. ألم يتذكر قتلة الجنود الصائمين أنهم من عموم الناس الغلابة الطيبين ، وأنهم يؤدون واجبا وطنيا ولا علاقة لهم بأي حسابات أخرى مما قد يكون في ذهنية من حملوا السلاح وأزهقوا أرواحهم ، وألم يتذكروا أن هناك أسرا وعائلات كادحة تنتظر بفارغ الصبر نهاية فترة تجنيدهم ليتولوا مسؤولية أباء وأمهات وزوجات وأطفال ربما يعيشون على حد الكفاف. إذا كان القتلة لهم علاقة بالمتشددين المسلحين فهذا يعطي المبرر للرد العنيف عليهم، وإذا كانوا من المهربين والبلطجية فالتعامل العنيف معهم أوجب لكن ذلك كله في إطار القانون والعدالة، وإذا كانوا أطرافا خارجية تريد تعميق الفوضى وخلط الأوراق فهذا يتطلب مزيدا من اليقظة الأمنية، وقبل كل ذلك وأيا كان انتماء القتلة فإنه لابد من المحاسبة للمقصرين ومهما علا شأنهم ، فالدم المراق ليس رخيصا، وتكرار مثل هذه الجرائم ينبئ عن خلل لابد من بحث أسبابه ومسبباته وعلاجه بجدية وليس بالتصريحات والدموع والجنازات الرسمية فقط. عشرات الحوادث السابقة المماثلة تعرض لها جنود وضباط جيش وشرطة وتعرضت لها مقار عسكرية وأمنية مهمة فهل هناك محاسبة ومساءلة وهل هناك من طرح سؤالا حول وجود تقصير من عدمه وهل هناك من تعرض للعقاب أم يُكتفى بإلقاء كامل المسؤولية على المجرم فقط ودمغه بالإرهاب - وهو إرهاب - للتحلل من أية مسؤولية ولو سياسية وأخلاقية؟. السلطة لا يجب أن تتدثر وراء رداء أنها أعمال إرهابية وأنه سيتم القصاص من القتلة، هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن تحدد مستوى مسؤوليتها عما يجري؟. هل تطبق القانون على نفسها، وكيف، ومتى طبقته؟. مالم يطبق القانون على الجميع فسوف تتكرر تلك الحوادث المؤلمة، ولن نتعلم أي درس، وستظل الدولة والمجتمع مهددين وفي خطر. متى نكون جادين؟. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.