في مؤتمره الصحفي اليوم مع وزير الخارجية الفرنسي قال سامح شكري وزير الخارجية المصري أنه لا علم لديه بأي مبادرة تركية أو قطرية لوقف إطلاق النار في غزة ، وأن المبادرة المصرية هي الوحيدة المطروحة وهي التي تحظى بموافقة عربية وعدد كبير من دول العالم ، تصريحات شكري تكشف أنه ما زال يعيش هاجس خروج الملف الفلسطيني من يده ، ما زال يتحدث عن الدور المصري بوصفه "الوكيل الحصري" للشأن الفلسطيني ، وهو كلام يحتاج إلى شروط قاسية وجوهرية ليكون صحيحا ، أهمها أن تكون موثوقا من الأطراف الأساسية ، وأن تترفع عن الخصومات الشخصية وأن لا تتخندق في خنادق معادية ومحاربة لأحد الأطراف الأساسية التي تتوسط بينها ، فإن فقدت ذلك فعليك الاعتذار وإخلاء الطريق أمام آخرين ، والحقيقة أن مصر الآن تجني حصاد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها السلطات المصرية على مدار العام الماضي كله في علاقتها مع حركة حماس وعمليات جر الشكل معها والتحرش السياسي والأمني والقضائي والإعلامي بدون أي معنى أو دليل مادي ملموس ، فقط لمجرد أنها ولدت من رحم جماعة الإخوان أو تتصل بها بنسب ، فحملوها قسطا كبيرا من توابع معركتهم مع إخوان مصر ، رغم أن سبع حكومات عربية الآن على الأقل الإخوان جزء منها ولا أعرف : هل ستعلن القاهرة على كل تلك العواصم الحرب ، وعندما تفجرت الأزمة الأخيرة وبدا العدوان الإسرائيلي صارخا ومفضوحا "تمطع" المسؤولون المصريون طويلا قبل أن يخرجوا أول تصريح يستنكر العدوان ، ثم سارعوا وعدلوه في اليوم الثاني مباشرة بتوصيفه "العنف المتبادل" . الأزمة الآن أن هناك محورين للتفاوض لإنهاء القتال ، المحور المصري والمحور التركي القطري ، وكلا طرفي النزاع إسرائيل وحماس يتحفظان على أحد المحورين ، فإسرائيل تتمسك بمصر كوسيط وتثق فيها وترفض وساطة قطر وتركيا بدعوى انحيازهم لحماس والمقاومة ، وحماس تتمسك بوجود وساطة تركية قطرية باعتبارها أكثر موثوقية الآن بعد اعتراف مصر بوجود عداء عقائدي مع حماس وحملات مستمرة للتشهير بها والتحريض عليها وتتهم المبادرة المصرية بأنها تدعم المعتدي ، وبطبيعة الحال ، فالمجتمع الدولي لا يعنيه فكرة "الوكيل الحصري" ، وإنما يعنيه الإنجاز العملي السريع على أرض الواقع ووقف المعارك ومنع انتشارها واتساعها ومنع اتساع الفضيحة الإنسانية والأخلاقية والعسكرية لإسرائيل ، هذا ما يعنيه ، وهذا ما قاله بوضوح وزير الخارجية الفرنسي في مؤتمره الصحفي : أولويتنا القصوى وقف القتال ، وبالتالي فمفهوم أن العالم الآن يتعامل مع أكثر من أفكار وأكثر من جهد وأكثر من مبادرة يجري بلورتها وقد تخرج خلال ساعات قليلة وربما غدا . الوزير المصري يدرك ذلك جيدا ، ويعرف أن هناك مداولات تتم حاليا وتحدثت عنها قيادات بحماس علنا وأن أنقره والدوحة يتلقيان اتصالات دائمة أو زيارات من أكثر من جهة دولية وعاصمة كبرى لتلافي أخطاء الموقف المصري والمبادرة المصرية ، وقد لاحظت أن الوزير شكري في مؤتمره الصحفي وضع إشارات جديدة لم تكن مطروحة من قبل في المبادرة ، وبدا أن "العنجهية" تتراجع الآن لصالح العقل والحكمة ، فقد قال شكري : (المبادرة المصرية لازالت توفر الفرصة الكاملة لوقف إطلاق النار ووقف سيل الدماء الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة، وتوفير إطار للتعاون والعمل على توفير الاحتياجات الضرورية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة) ، ومن أول عبارة " ورفع الحصار" إلى آخر الكلام لم يكن مطروحا أبدا من قبل وتجاهلته المبادرة المصرية التي أصرت على وقف إطلاق النار دون أي شروط أو مطالب ، وجعلت رفع الحصار وباقي المطالب معلقة على المفاوضات التي تأتي على أجواء باردة وأعصاب أكثر برودا وبال صهيوني طويل ومماطل ، بينما كانت المقاومة تصر على أن تنص المبادرة على رفع الحصار وحماية حق الفلسطينيين في العيش الكريم وتوفير احتياجاتهم ، وهو ما رفضته مصر مرارا وبعناد مثير للدهشة ، هي إذن خطوة إلى الوراء لعلها تفتح نافذة الأمل في إنقاذ المبادرة المصرية ، واستعادة الثقة التي اهتزت في الدور المصري ، وفي تقديري لو أن الخارجية حصلت وحدها على مساحة عمل بحرية كافية في هذا الملف لكان أفضل وأجدى لمصر وأمنها القومي .