ما تم استفتاء الشعب عليه يجب بكل المقاييس احترامه أولاً وثانياً وثالثاً، خاصة إذا كان قد جرى بحرية ومشاركة شعبية كبيرة، مع الوضع فى الاعتبار أن استفتاء الشعب مباشرة يعد أهم آليات الديمقراطية، وهناك دول مثل سويسرا لا يخلو شهر دون الرجوع إلى الشعب لاستفتائه فى كل القضايا الخلافية. الاعتبار الثانى أن الاستفتاء يوم 19 مارس حول التعديلات الدستورية التى طرحت فيه كان الوحيد فى تاريخ هذا الشعب الذى شارك فيه بحماس بالغ وبإحساس من المسؤولية، ولم يكن الشعب مغيباً يوم هذا الاستفتاء أو جرى خداعه، بل على العكس كان الاختيار بين «نعم» أو «لا» عبئاً على معظم المواطنين ناقشوه طويلاً مع الآخرين، وبينهم وبين أنفسهم بعد أن أحسوا أنه لأول مرة أصبح البلد بلدنا، نحن الذين نقرر له ما نريد وليس كما نقول البلد بلدهم يقررون فيه ما يشتهون. الاعتبار الثالث أن هذه التعديلات الدستورية التى نالت 77٪ من موافقة العدد القياسى الذى اشترك فيها، كانت واضحة فى رسم الطريق على أساس انتخاب البرلمان بمجلسيه أولاً ورئيس الجمهورية ثانياً، ثم تولى جمعية تأسيسية من مائة عضو ينتخبهم أعضاء المجلسين لإعداد مشروع الدستور، والمفهوم بل المؤكد أن القوات المسلحة هى التى ستعلن تأمين إجراءات الانتخابات بما يقضى على مخاوف الكثيرين من الظروف الأمنية، لهذا عندما يطرح اليوم لأسباب أياً كانت مبرراتها البدء بإعداد الدستور أولاً، فمعنى هذا بوضوح شديد مخالفة الاستفتاء الذى أجريناه وتجاهل الغالبية الكبرى التى اختارت، وأخطر من ذلك نسف الثقة التى بدأت لأول مرة بين الشعب وبين أى استفتاءات أو انتخابات قادمة، لأنه إذا كان تجاهل الشعب لانتخابات ما قبل الثورة وسيلته التزوير، فالأمر لم يختلف بعد الثورة إذا كانت ستصبح وسيلته التغيير، وفى الحالتين احتقار إرادة الصندوق، ولهذا فرغم ما قد يساند فكرة البدء بوضع الدستور قبل الانتخابات، إلا أن ما يصيب الديمقراطية نتيجة نسف ما جاء به الاستفتاء سوف يكون أخطر كثيراً. وحتى لو بدأنا بالدستور فسنقع فى خلاف أكبر حول من الذى سيختار أعضاء لجنة إعداده، وستكون الفرصة كبيرة أمام من يحلو لهم توسيع فجوة عدم الثقة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى ستوجه إليه الاتهامات بأنه اختار فلاناً وتجاهل فلاناً أو أنه غلَّب تياراً على آخر، وغير ذلك كثير. لقد نجحنا من خلال استفتاء 19 مارس فى إثبات شرعية الثورة بهذا الاشتراك الرائع لكل فئات الشعب، فلا تجهضوا الأمل الذى وُلد، ودعونا نتفق على احترام ما جاء به الاستفتاء، وليكن الجدل حول تنفيذه واحترامه، لا تغييره وتجاهل ما قرره الشعب ونسف الديمقراطية التى مازلنا تلامذة فى سنتها الأولى! [email protected] نقلا عن المصري اليوم