قبل الثورة المباركة كان الشعب المصري كله مشفق علي مستقبل مصر، فقد أحكمت العصابة الحاكمة السيطرة علي كل شئ و بدا في الأفق أن التوريث محتم. ثمن الحرية باهظ و دائما لونه أحمر بلون دماء و أرواح الأبرياء، و الأوطان لا تبني بالسياسة و لكن بعرق الجبين كما قال بن جوريون أحد القادة التاريخيين لاسرائيل. و لكن رحمة الله كانت أقرب، فقد أراد الله لمصر الكرامة و الحرية و العدالة، فاستطاع الشعب أن يهزم شرطة مبارك في يوم عيدها و استطاع الشعب – بمباركة و مساعدة جيشنا الوطني - أن يفرض كلمته و سطوته فأسقط رؤوس النظام و حل الحزب الوطني، فصار أقطاب النظام ما بين محبوس احتياطيا ينتظر المحاكمة العادلة أو فار بجلده يتعقبه البوليس الدولي. الانجاز المصري الفريد أدهش العالم و أربك الطغاة المستبدين و أعاد مصر الي وضعها و حجمها الطبيعي بعد أن أنفق الخبثاء الوقت و الجهد لتقزيمه و تحقيره. من مكاسب الثورة تزايد اهتمام المصريين جميعا بالعمل العام وخدمة الوطن، الفئات المجتمعية التي كانت عازفة عن المشاركة باعتبارهم ضيف ثقيل علي النظام الحاكم صاروا الأن فاعلين بعد أن كانوا مفعولا بهم، الأقباط خرجوا من (جيتو) الكنيسة الي الحياة العامة، الاخوان أسسوا حزبهم السياسي و تبعهم السلفيون و بقايا تنظيم الجهاد و الجماعة الاسلامية بعد أن زال الحظر و المطاردة عن الاسلاميين، الشباب الذين صورناهم علي أنهم اما يدخنون البانجو أو يشربون المسكرات و يطاردون الفتيات، هؤلاء الشباب صاروا يناقشون و يأتلفون لخدمة مصر و صنع مستقبلها المشرق باذن الله. ربما كان هناك تجاوز ما من الثوار أو محاولة كل فرد لفرض رأيه بعيدا عن الشرعية و لكن هذه تعتبر من المشكلات التي ستصححها الممارسة و يعدلها صندوق الانتخاب. و لكن هناك الكثير من أعداء الثورة، ففي الخارج – بالطبع – توجد اسرائيل التي تأبي لمصر السلامة أو التقدم أو الازدهار، وهناك الأنظمة العربية الاستبدادية التي تخشي أن ينتقل النموذج المصري الي شعوبهم فيقض مضاجعهم أو كان لهم بعض التعاملات المالية مع أقطاب النظام السابق، أما في الداخل فهناك البلطجية و كانوا من أركان النظام السابق يتعاملون معه و يساعدونه و يقتاتون من ورائه، وهناك بعض أقطاب الكنيسة الذين يحاولون التعامل مع الواقع بأليات النظام السابق أو يحاولون اثارة العلمانيين و الليبراليين لعدم اتمام الانتخابات خشية أن تؤدي الي حكم اسلامي، وهناك الشرطة التي كانت تحمي أل مبارك بقهر الشعب و التي استشعرت الهزيمة يوم 25يناير وهؤلاء ان لم تستطع الوزارة اعادتهم للعمل فعليها اتخاذ اجراء ما معهم اما بالعزل أو بالمحاكمة. أما قيادات الحزب الوطني فمنهم من أعلن اعتزاله السياسة مثل مفيد شهاب و الغول و عبد الأحد جمال الدين لصعوبة أن يتحولوا أو أن يقبل الشعب تحولهم، و منهم من قفز من السفينة وهي تغرق ولكن السفينة الجديدة لم تقبله مثل مصطفي الفقي المرفوض عربيا كأمين للجامعة العربية و كنت أتمني أن ترشح مصر السيدة نهي الزيني بدلا منه كأمين عام للجامعة العربية و الابقاء علي العربي وزيرا لخارجية مصر، أما باقي أعضاء الوطني فأري أن يصدر قانون بمنح ترشحهم للمجالس النيابية لفترة نيابية واحدة كعقوبة علي سكوتهم علي الفساد ان لم يكونوا مشاركين فيه. أما القادة الذين مازالوا خارج الحبس الاحتياطي مثل يوسف والي و عاطف عبيد و رؤساء تحرير ورؤساء مجالس ادارة الصحف القومية سابقا فيجب المسارعة بمحاسبتهم، و لا يخفي أن هناك الكثير من العمل المطلوب لتطهير البلاد من الفساد و المفسدين . أنا لا أحب كلمة الحوار الوطني فهي من بقايا العهد البائد كان يلجأ اليها مبارك في الأزمات، ففي 2004 حين طالبه بوش بالديموقراطية حدث حوار وطني أداره صفوت الشريف و كانت نتيجته صفرا، الحوار الوطني طلبه مبارك أثناء الثورة و أداره عمر سليمان ودعا اليه الاخوان لأول مرة و كانت جماعتهم تلقب ب(المحظورة)، و كانت نتيجة الحوار صفر كبير و نجاح الثورة، ما فائدة الحوار الوطني ان كانت كل الأراء و الاتجاهات معلنه ؟؟، أما الأدهي و الأمر فهو لجنة الوفاق القومي التي نقل لرئاستها من الحوار الوطني يحيي الجمل المرفوض شعبيا، الوفاق القومي يريد أن يلتفت علي الدستور باعداد مسودة للدستور الجديد مع أن هذا متروك للجنة منتخبة بعد الانتخابات البرلمانية بنص الدستور. الحل عندي يتمثل في استعداد الدولة للانتخابات البرلمانية – جيشا و شرطة و أحزاب و منظمات للمجتمع المدني- ، فالانتخابات البرلمانية و الرئاسية في غاية الضرورة لتحقيق الاستقرار و التنمية و تحقيق أهداف الثورة، الانتخابات هي التي تحول مصر الثورة من الجماهيرية الي الجمهورية، الرئيس و الحكومة المنتخبان هما العاصم ضد الفوضي. لا معني لمن يطالب بتأجيل الانتخابات الا أنه يريد استمرار الفوضي، هذه ليست أخر انتخابات برلمانية أو رئاسية في مصر، لن يأتي مبارك جديد يكتم أنفاس الشعب ثلاثين عاما، الذي لم يسعفه الوقت من الأحزاب الجديدة أمامه وقت يستطيع فيه الاستعداد لانتخابات قادمة، أما استمرار البلاد بلا برلمان أو رئيس فهي عين الفوضي التي يجب أن نتجاوزها سريعا. الذي أرجوه من شباب الثورة أن يهتموا ببناء مصر أكثر مما يهتمون بالتنظير السياسي، أرجوهم أن يطالبوا شعب مصر للاكتتاب في مشروع قومي لانقاذ الاقتصاد المصري أو تنظيف و تجميل و بناء المدن أو تعمير سيناء. يجب أن يشعر شباب الثورة أنهم بناة مصر الحديثة و لا يلزم أن يكونوا جميعا منظرين سياسيين.