اقتربت منا ذكرى مجيدة ومناسبة عزيزة، ذكرى نصر جيشنا الباسل فى العاشر من رمضان ونحن –الآن- فى صيام أيامه وقيام لياليه نرجوا رحمة من الله مما نعايشه –هذه الأيام- من كبد ومشقة وعناء، وندعوه –جل شأنه-أن يرفع عنا البلاء الذي أوشك أن يستوطن بلادنا ويقسم أوطاننا.اقتربت ذكرى أيام مجيده كانت فى غمار مثلها منذ 41 عاما ،قواتنا المسلحة العربية،المصرية والسورية ،تخوض قتالا منتصرا جسورا ومعارك شرسة وحربا ضروس ضد عدوها اللدود الصهيوني البغيض ،على ارض سيناء المصرية وفوق هضاب الجولان السورية، لتشكل واقعا جديدا يعيد رسم الخريطة الجغرافية للعرب وإسرائيل على أسس تقترب من العدل وتسعى لإعادة بعض الحقوق السليبة لأصحابها ،وتؤسس لمرحله فارقه أصبح فيها الطرف العربي –لأول مره- مرفوع الهامة منتصب إلقامه ،يتكلم فيسمع،ويقرر فيطاع،ويحدد–أخيرا- مصيره الذي كاد أن يتسرب من بين الأصابع ويتسلل من خلال الثقوب التي وَسَمَتْ كيانه الذي أوشك بدوره -هو الآخر-أن يبلى ويتهرأ فور هزيمة يونيو 1967.انه صراعا –فُرِضَ علي العرب- فريدا، ليس له مثيلا فى التاريخ، ولا شبيها فى الجغرافيا، صراعا على البقاء بين طرفين، يسعى فيه المعتدى لإفناء المعتدى عليه، صراعا عدوانيا وسياسيا يلتحف بغطاء وادعاء ديني باطل وعنصري قاتم، كما وينشب بين أتباع حضارتين بزغتا فى زمنين متغايرين، هما الحضارة العربية والأخرى الغربية بشقيها الصليبي والصهيوني، دار رحاها فى أرجاء التاريخ القديم منه والوسيط والحديث؛ بالتأكيد هو ليس نزاع حدود ولكنه صراع وجود وحياه مداره النهائي أن نبقى –نحن العرب –على هذه الأرض أو نزول.أنها ليست - قطعا-كما تروج الصهيونية أقدارا متصادمة، ولكنها - فى الواقع -أقطابا متنافرة. ما من شك أن العرب وجيوشهم الأبية فى العاشر من رمضان افزعوا إسرائيل من عميق ثُبات نومها و وأدوا أحلامها فى بسط سلطانها من النيل إلى الفرات وفقا لما يدعون بان الرب أنبأهم بها فى تلمودهم فشرعوا فى تنفيذها، حتى أفشلتها جيوش العرب فى العاشر من رمضان. لقد أرادوها إمبراطورية صهيونية كبرى تبنى فوق أراضى العرب بعدما يتم تفريغها منهم بالإبادة والتشريد و النفي والتشتيت، ومن ثم فإنه يصعب تصور حدوث تعايش سلمى بين السارق و المسروق، إلا أن يكون بين القاتل والمقتول الذي بالقطع سوف يسرى عليهما ناموس الحياة فيبقى القاتل ويفنى المقتول.ولا يخفى على العدو –بلا أدنى ريب – قوانين المنطق من أن العرب يريدون تحرير كامل أراضيهم وطرد الصهاينة بأفرادها وأفكارها من بلادهم لذلك فهو يلخص هذا التناقض الوجودي بمصطلح يصل لديه إلى مرحلة الاعتقاد بان الصراع مع العرب يرقى إلى أن يكون "صراعا بيولوجيا" يستهدف الاباده العنصرية لهم، والتاريخ القريب (ما بعد عام 1948)يسجل مذابح وحشيه يندى لها جبين الإنسانية نفذتها العصابات الصهيونية فى المدنيين الأبرياء شيوخا وأطفالا ونساء ،من شعب فلسطين بمدنها ،ومخيماتها ، فى غزه ومخيمات صابرا وشتيلا ودير ياسين و وبيت لحم وغيرها .
ولان أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية أصبحت القوه العسكرية العظمى الأولى عالميا، فضلا عن كونها صاحبة أقوى اقتصاد فى العالم ،وأضحت زعيمة الرأسمالية العالمية،وقائدة وملهمة الامبرياليه العالمية ،و من ثم أصبحت الوريثة الوحيدة للنظام الاستعماري القديم ،فانه أصبح من الحتم أن تصطدم بوجود كيان عربي يستند إلى أفكارا قوميه وهو "القومية العربية" وذلك – من وجه نظرها –يمثل تهديدا لمصالحها فى الشرق الأوسط الذي يملك كثيرا من مقومات القوه من حيث المركز الاستراتيجي للسيطرة على قارتي أفريقيا وآسيا الذاخرة بالثروات ، ومن حيث تحكمها فى طرق التجارة العالمية ،فضلا عن امتلاكها كثير من الموارد الطبيعية التي أهمها على وجه الإطلاق اكبر احتياطي من البترول مصدر الطاقة وواهب الحضارة الحديثة . وقد عاصر تلك المرحلة الزمنية كفاح الشعوب العربية لنيل حريتها، ونضالها من اجل الحصول على استقلالها والمحافظة عليه، وتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية، للمروق من التبعية بشقيها السياسية والاقتصادية .فاهديت إليها على طبق من ذهب أحداث نشوء دولة عنصرية على أرض فلسطين اشترك فى إقامتها بريطانيا منذ وعد "بلفور " عام 1945 ...وبأوهام الرجل الأبيض وعقلية ابادة الهنود الحمر فى قارة أمريكا الشمالية، فان الولاياتالمتحدة دعمت قيام إسرائيل كشوكه فى الجسد العربي تمنع التحامه وتقطع عليه أوصاله وتآلفه منذ تم تفتيتهم وتقسيمهم التي تمت انفاذا لاتفاقيه "سايكس بيكو" المقيتة الكريهة.واعتبرت وجود إسرائيل فى قلب الجسد العربي مثلما أبادت هي –منذ ما يقرب من مائه وخمسون سنه- أصولها الانجلو ساكسونيه الوافدة من أوربا إلى القارة العذراء أمريكا الشمالية سكانها الأصليين من الذين كان يطلق عليهم "الهنود الحمر" وأقام المستوطنين الغزاة، فى هذه الأراضي حضارة حديثه وكونوا الإمبراطورية العظمى المسماة الولاياتالمتحدةالأمريكية.لذا فقد اعتبرت الولاياتالمتحدة أن إسرائيل هي بمثابة حاملة طائرات أمامية لها متمركزة فى الشرق الأوسط، فدججتها بأحدث ما لديها من أسلحة وعتاد حربي يتفوق على كل ما لدى العرب مجتمعين، وأمدتها بمعونات اقتصادية ضخمه تعينها على استقبال مهجرين يهود جدد من أنحاء العالم،لتدعم وجودها وكيانها بمزيد من المستوطنين اليهود الذين يفدوا بالإغراء والترغيب من كافة بقاع الأرض إليها. وجدير بالذكر أن هناك ما يسمى بنموذج "دورة فالكنبيرج" فى الأدبيات الجيوبولوتيكيه، يصور مسارات نشأت وانحدار الأمم والذي تم بناؤه لتفسير بزوغ واضمحلال كثير من الإمبراطوريات منذ فجر التاريخ، فقد وجد انه لن يسرى على دولة إسرائيل ذلك لأنها دوله تعيش على الحقن الصناعي باستدامة وداخل خيمة يتوفر فيها اوكسيجين الحياة بوفرة ورغد ودفق مستمر.
نظره تشريحية للمستقبل
بالقطع إذا كان المستقبل يستشرف كل ما هو مقبل ولاحق من أحداث، فبالطبع التاريخ ينصرف إلى الماضي وحوادثه والسابق بشرائحه سواء القريبة أو الوسيطة أو البعيدة، وقد وجد أن كثيرا من أحداث الماضي تلحق بالحاضر متشبستا به وهو مسرعا صوب المستقبل، وبإنزال ما تقدم على دولة إسرائيل، يصبح التساؤل وما بال دولة إسرائيل ومصيرها فى أعقاب حرب العرب المنتصرة حرب أكتوبر؟ لقد وضعت الضربة العسكرية المصرية والسورية الموفقة ما يسمى "فلسفه الأمن الإسرائيلي" فى مأزق خطير يبدد جوهر الفكرة الصهيونية ويفضى إلى إثبات فشل الحل الصهيوني لمشكلة الوطن القومي لليهود فى فلسطين. فلقد هدم انتصار العاشر من رمضان مفهوم الحدود الآمنة لدولة إسرائيل ،ومن ثم فإن ضرب مفهوم الأمن والأمان يعنى بالتبعية والاستطراد إلى تبديد مشروع الهجرة والاستيطان اللذان هما بالقطع مكون هام فى فلسفة بناء الكيان الصهيوني برمته.
خاتمة
ولقد كان الرئيس أنور السادات حاسما فى قوله، حكيما فى فكره، صادقا مع نفسه، عندما أكد على أن العرب إذا خرجوا من بعد هذه المعركة دون أن يبنوا صرحا قويا وبناء جديدا للقوه الذاتية، اقتصاديا وعلميا وتسليحيا فقد خابوا وخسروا، ذلك لان إسرائيل قد فطنت الدرس جيدا ولن تنسى هزيمتها وأسبابها وكيفية تلافيها، كما ولن تتسامح مع من كسر شوكتها وقتل مواطنيها وقضى على حلمها وكيانها، وذلك وقت أن تحين الفرصة وتلوح اللحظة. ومن أسف إننا معشر العرب الآن نفعل على مدى سنوات قلاقل بأنفسنا ما فشلت إسرائيل فى تحقيقه فى عشرات السنين، فمقارنه صورة الجيوش العربية التي كانت -حتى - فى عام 1967 أو التي كانت فى عام 1973 وبين حالها الآن تجعلك تصاب بالهذيان، ففي الماضي كانت هناك جيوش قويه كالجيش السوري والعراقي والجزائري بالطبع والجيش المصري، وكانت هناك دولا يحسب لها دورا محوريا فى دعم القضية وتمويل الجيوش، مثل ليبيا، أما الآن فأين تلك الجيوش، وأين تلك الدول؟ لقد انشغلت الجيوش - فيما عدا المصري - فى معارك داخليه وتطاحنات طائفية أبعدتهم عن مهامهم الأصلية وفتت قوتهم وفرقت وحدتهم و أضعفت فاعليتهم تجاه عدوهم الأصلي والرئيس وهو إسرائيل، وانشغلت الدول فى عراك أهلي لا يبقى ولا يذر، ولاحت نذر خطيرة تهدد الكيان العربي كله، وتضع مصير شعوبه على حافة الخطر، لاسيما وان أطماع إسرائيل مازالت ماثله لم تتبدد بعد بل قائمه وبشده، وأصبح الآن الجيش المصري فقط هو واجه الصد الوحيدة ، أمام إسرائيل ، والذي ندعوا الله ألا يتبدد هو الآخر فى أحداث داخليه تفل من كيانه أو تؤثر على قوته . لذا فندعوا الله أن يهدى بنى وطننا جميعا لسبل الرشاد، وان يعوا اللحظة ويفطنوا الفكرة و أن يتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.