لأننا في غفوة بل في سكر دائم عما يجري داخل إسرائيل من تفاعلات ثقافية وفكرية قد تفيدنا في محاربة هذا العدو بل ودراسته بدقة، فإننا بالطبع لا نعرف المؤرخ اليهودي إيلان بابيه، المحسوب على مجموعة المؤرخين الجدد في إسرائيل، وهو صاحب نظرية التطهير العرقي، الذي يؤكد من خلالها أن نزوح الفلسطينيين من أرض 1948 تم بعد مجازر رهيبة ارتكبت في حق أصحاب الأرض الأصليين قبيل اندلاع حرب 1948، أكثر من 500 قرية ومدينة عربية ارتكبت بها جرائم تطهير عراقي ما تفوق بمراحل بعيدة ما فعله هتلر في الأقليات التي سكنت ألمانيا أو في البلاد التي احتلتها ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، بل إن جرائم العصابات الصهيونية تتوارى خجلاً أمامها ما فعله هتلر، لبشاعة ما قامت به هذه العصابات، ولذا بات فعلها نقطة سوداء في تاريخ اليهود، لا يماثلها إلا قتلهم أنبياؤهم، كان موقف المؤرخ اليهودي بابيه مشرفاً إذ أقر بها، بل وحاضر عنها مخافة أن ترتكب المؤسسات الإسرائيلية نكبة مماثلة، فأنجز كتاباً رائعاً تحت عنوان التطهير العرقي في فلسطين، يستحق الترجمة إلى العربية، لذا قامت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت بمشروع لترجمة كتابه، هاجر بابيه إلى بريطانيا بعد الحرب الأخيرة على لبنان.
إن ما أستطيع أن أكرره هنا أن المجتمع الإسرائيلي في الداخل مجتمع غير سوي، إذ تنتابه أعراض وأمراض نفسية متفاوتة ما بين الضمير الإنساني الواعي والمدرك إلى التطرف إلى درجة لا يمكن وصفها إلا بالنزعة العدوانية المطلقة، لذا لا يستطيع هذا المجتمع العيش بدون عدو يوحده في مجابهة انقسامه الداخلي، لذا ستظل اسرائيل ترفض أي سلام عادل في المنطقة العربية، إلا إذا فرض عليها بالقوة، لأنه في مجتمع زرع في نفوس أفراده منذ الصغر عقدة الخوف من الآخر المجاور، كيف يمكن أن يقبل مجتمع يحمل السلاح كجزء من تركيبة حياته اليومية السلام دون أن يعترف ويتطهر من جرائمه السابقة التي يدرك أنه بسببها سيظل جراينه يكرهونه، إذا لم تعترف إسرائيل بجرائم الماضي وتتحلل منها لكي تواجه مستقبلها فلن تستطيع أن تعيش في سلام مع الآخر أيا كان هذا الآخر، فهل نستطيع نحن العرب أن ندرك ذلك، هل نبدأ معهم بتحريرهم من عقدة الخوف المتجذرة لديهم، وكذلك عودتهم إلى الطبيعة الإنسانية السوية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.