خرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وقت مبكر صباح الاثنين ليؤكد مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن في عملية عسكرية أمريكية داخل الأراضي الباكستانية كان الهدف الأول فيها رأس "العدو الأول" للولايات المتحدة الذي ظل مطاردًا لسنوات طويلة من جانب القوات الأمريكية وعملاء المخابرات الأمريكية دون أن تصل إليها، رغم المكافأة المغرية التي رصدتها الإدارة الأمريكية للوصول لرأس الرجل – المتهم أمريكيًا- بتدبير هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وعلى الفور تناقلت وكالات الأنباء وشبكات التلفزيون الخبر الذي انتظره الأمريكيون لأكثر من عشر سنوات وقابلوه بفرحة غامرة، حيث سارعوا إلى الخروج للشوارع ابتهاجًا ب "النبأ السعيد"، وتوجه الآلاف منهم إلى البيت الأبيض للاحتفال بمقتل "الغريم اللدود"، وأخذوا يرددون الشعارات وكان الأمر أشبه باحتفالية "يوم الاستقلال"، وربما فاقت الأعداد المشاركة الاحتفال بذلك اليوم. أما في العالم العربي، فقد ساد حالة من الشكوك وبدا كثيرون ممن سمعوا الخبر للوهلة الأولى غير مصدقين لمقتل الرجل الذي ينظر إليه كثيرون من العرب على أنه "بطل شعبي" استطاع في "زمن الانكسار" أن يوجه الضربة تلو الضربة للأمريكيين حتى دخل عقر دارهم، واستطاع أن يكسر الكبرياء العسكري للقوة العظمى وأن يجبر قادتها على الاختفاء في "الجحور" مثل الجرذان خوفًا من أن تصلهم يداه. على مواقع ومنتديات الإنترنت العربية التي بثت نبأ مقتل بن لادن انتشرت آلاف التعليقات المشككة في صحة الخبر والتي اتهمت الأمريكيين بالكذب ونظرت إلى الإعلان عن مقتله باعتبارها مناورة انتخابية من إدارة الرئيس باراك أوباما، يهدف منها إلى تعزيز أسهمه أمام الناخبين الأمريكيين في بداية حملته للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن تأكيد مقتله من مواقع مقربة من "القاعدة" جعل الكثيرين يؤمنون برحيل "القائد الملهم" للتنظيمات الجهادية بالعالم وكتبوا عبارات الرثاء والنعي التي تحتسبه شهيدًت، وقالوا إنه "إراد الشهادة فكتبت له"، وتوجهوا بالدعوات بالمغفرة له. وفي الشارع المصري كان مقتل بن لادن هو الحدث الذي سيطر على أحاديث الناس ومناقشاتهم، واللافت أنه رغم الجدل والاختلاف في تقييم شخصية بن لادن إلا أنه كانت هناك حالة من الإجماع والرفض الشديد لفكرة التخلص منه بإلقائه في البحر باعتباره لا يليق بآدمية الإنسان، وهو ما أفتى به الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لكونه يتنافي مع كل القيم الدينية والأعراف الإنسانية ولا يجوز في الشريعة الإسلامية التمثيل بالأموات مهما كانت مللهم فإكرام الميت دفنه. بينما بادر البعض إلى دعوة المصلين إلى إقامة صلاة "الغائب" على روح بن لادن، كما في أحد المساجد على أطراف القاهرة، حيث دعا أحد المصلين- وهو الأخ الأصغر لأحد الشخصيات الجهادية التي أعدمت في قضية شهيرة في عهد النظام السابق- لأداء صلاة الغائب على روح زعيم "القاعدة" عقب صلاة المغرب، واستجاب لدعوته عدد ليس بالقليل من المصلين بينما أخذ البعض الآخر بالانصراف، ومن بينهم الأمام الذي أمّ الناس في صلاة المغرب والذي اعتقل لفترة طويلة داخل السجون المصرية. وكان مبرر الإمام أنه وعلى الرغم من تقديره لبن لادن في مواقف وتحفظه على أخرى، لكنه رفض الصلاة وقام بالانصراف استهجانًا من تصرف الرجل الذي دعا لصلاة "الغائب" دون الرجوع إليه، حتى لا يثير هذا الأمر البلبلة بين المصلين، خاصة وأن شخصية مثل زعيم "القاعدة" ليست محل إجماع بين الناس، فضلاً عن كون صلاة الغائب ليست بواجبة، مثل صلاة الجنازة. وهكذا يظل بن لادن حتى بعد رحيله مثار جدل بين المصريين، وهو الأمر الذي يفسره المحللون بأنه يرجع إلى "مزاج" الشارع المصري الذي لا يبدو ميالاً بطبعه إلى فكرة العنف غير المبرر، خاصة بعد أن تراجعت الجماعات الجهادية في مصر عن رفع السلاح منذ سنوات، وعاشت مصر بسنوات من الهدوء في وقت كان يشكو فيه العالم من "القاعدة" وخلاياها في المناطق التي لها موضع قدم فيها.