وعدنا في المرة السابقة أن نبدأ كلامنا هذه المردة بالحديث عن جهود السلطان عبد الحميد الثاني في الحفاظ على فلسطين؛ فنقول: في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أصدرت الحكومة العثمانية أمراً قاطعاً بمنع هجرة اليهود إِلى فلسطين ابتداءً من عام 1884م، ولكن سُمِح لليهود الأجانب الذين يقصدون الحج (!!) بزيارة فلسطين على ألا تتجاوز إِقامتهم ثلاثة أشهر.
وعندما أُخطرت الحكومة البريطانية رسميًّا بهذه القيود على إِقامة اليهود بفلسطين أعلن السفير البريطاني في إستانبول (سير وليام وايت) عن رفضه لهذه الإِجراءات ووعد حكومته بأنه سيبعث إِلى الحكومة العثمانية بمذكرة مشتركة يسانده فيها سفير فرنسا وسفير الولاياتالمتحدةالأمريكية في إستانبول؛ يتعرضون فيها على القيود التي فرضتها الحكومة العثمانية على الهجرة اليهودية.
وفي 28 مايو سنة 1888م وجّه السفير البريطاني رسالة إِلى الحكومة العثمانية يطالب فيها بإِلغاء القيود التي تحدّد إِقامة اليهود الأجانب في فلسطين، ولكن حكومة السلطان عبد الحميد لم تستجب لهذا الرجاء، ولم تكتف بذلك، وإِنما رفضت أيضاً تسجيل العقارات في القدس باسم الاتحاد (الإنجليزي اليهودي) فاضطر السفير البريطاني أن يقترح على حكومته تسجيل العقارات بأسماء أشخاص من الاتحاد غير اليهود؛ حتى لا تعترض الحكومة العثمانية.
ويبدو أن القنصل البريطاني في القدس لم يلتزم في عام 1898م بتنفيذ سياسة الدولة العثمانية فيما يتعلق بالهجرة اليهودية، فبعثت وزارة الخارجية العثمانية في 19 سبتمبر 1898م بمذكرة إِلى السفارة البريطانية في إستانبول توّجه نظرها إِلى الأمر الصادر عام 1884م بمنع الهجرة اليهودية إِلى فلسطين، وتطلب منها أن تصدر توجيهاتها في سبيل تنفيذ تلك السياسة.
وكان هذا القنصل (جون ديكسون) قد تلقّى رسالة من الحاكم العثماني لمدينة القدس يخطره فيها بصدور أوامر صارمة من الحكومة العثمانية بمنع دخول جميع اليهود الأجانب إِلى فلسطين- بغضّ النظر عن الجنسية التي يحملونها- مالم يقدَّموا ضمانًا بمغادرة البلاد خلال ثلاثين يومًا. فردّ القنصل بأنه ليست لديه توجيهات من حكومته بهذا الصّدد، وأنه سيقدِّم احتجاجًا إِذا طُبق أمر المنع على اليهود من الرّعايا البريطانيين، واحتدت الحكومة البريطانية على هذا المنع.
وكانت الحكومة البريطانية تأمل ألا يطَبّق أمر حظر اليهود من الهجرة إِلى فلسطين على اليهود البريطانيين، علمًا بأن الهجرة اليهودية كانت تتدفق على فلسطين من جهات متعدّدة، لا سيما من روسيا والنمسا وبولندا، ولكن أوامر الحكومة العثمانية الأخيرة كانت صريحة في حظر الهجرة على جميع اليهود الأجانب بغضّ النظر عن جنسياتهم، ثم تم تعديل يقضى بمدّ فترة الإِقامة المسموح بها لليهود في فلسطين إِلى ثلاثة أشهر، كما كانت من قبل، بدلاً من شهر واحد.
ولم تكتف الحكومة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد باتخاذ هذه التدابير لحماية فلسطين من الهجرة اليهودية، ولكنها أصدرت مزيدًا من اللوائح في عام 1900م لتشديد الرقابة على الهجرة، وتشتمل اللائحة التي تسلَّمها السفير البريطاني في إستانبول (سير أوكونور) في نوفمبر سنة 1900م على أربع مواد، وبمقتضى هذه اللائحة يتعيّن على جميع اليهود القادمين إِلى فلسطين أن يُسلِّموا جوازات سفرهم إِلى السلطات العثمانية التي تمنحهم بطاقات خاصة، وتوضح مهنة كل زائر يهودي وجنسيته والغرض من زيارته، كما تمنحهم إِذنًا مؤقتًا بالإقامة والانتقال في فلسطين لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ووضع نظام دقيق لمراجعة هذه البطاقات لمعرفة من يخالفون الأمر، كذلك نصَّت اللائحة على إِبعاد كل من تجاوزت إِقامته المدّة المقرّرة، إما عن طريق الشرطة أو عن طريق القنصل المختصّ.
وحذّرت اللائحة الموظّفين الذين يقومون بتنفيذ الأمر من مغبّة التهاون في أداء مهمتهم... (ولكن للأسف كان اليهود - كما يقول السفير البريطاني آنذاك - يدخلون عن طريق ميناءي حيفا وبيروت لقاء رشوة يقدمونها للموظّفين المختصّين في حدود خمسة جنيهات!!!).
لماذا تُشَنّ الحرب الإعلامية ضد السلطان عبد الحميد الثاني؟: رغم كل الجهود المخلصة التي قام بها السلطان عبد الحميد الثاني، ورغم تديّنه ورغم إِخلاصه لأمته فقد تعرّض إِلى حملة إِعلامية مُغْرِضة، استهدفت تمريغ سمعته وإِزالة الهالة والمهابة - التي كانت في قلوب الجميع - عن شخصه.
وكان من الطبيعي أن يروّج لهذه الإدعاءات والأكاذيب أعداء الإسلام في كل بقاع الدنيا، حتى يضيِّعوا جهوداً مسلمة، وجهود دولة إِسلامية بقيت متماسكة ستة قرون، ولا يعرف التاريخ الإسلامي- بل ربما التاريخ كله- دولة كانت بهذا الاتساع ظلّت متماسكة هذه المدة، وهي في التاريخ من أطول الدول أعماراً.
وقد تضافرت الصهيونية والدول العربية – للأسف - بما تملكه من صحف وإِذاعات ووسائل إِعلام إِلى ترويج عشرات الفضائح المنسوبة زوراً إِلى السلطان عبد الحميد الثاني بالذات، لأنه جاء في فترة كانت الدولة العثمانية وشيكة الضياع والانحطاط، فأيقظها من سُباتها، وكانت فترة خلافته تمثل صراع عالمي تآمري بالدولة العثمانية، ولا سبب وراء ذلك إِلا كُره الإِسلام والمسلمين، والخوف المسيطر عليهم من الخلافة الإِسلامية؛ ذلك السياج الذي يربط الأمة الإِسلامية الواحدة.
ولم تكن المعلومات التي ينشرونها تخلو من الإثارة ووصف ما يدور في القصر؛ لإلصاق تُهم الشذوذ والخوف والجُبن بعبد الحميد، و أنه جمع حوله العديد من الجواري من جميع الجنسيات تتراوح أعمارهن مابين العاشرة والسابعة عشرة فقط.
أقول: صحيح كان من سلاطين الدولة العثمانية من انصرف إِلى ملذاته وشهواته كالسلطان سليم الثاني وابنه السلطان مراد الثالث، وكان منهم مَنْ ربما توفي بسبب الإِفراط في الشهوات والملذات، كان هذا في الفترة من عام 1566 إِلى 1595م، وأما عبد الحميد الثاني الذي يُعرف عصْره بين أعداء الإِسلام أنفسهم بعصر (صحوة الرجل المريض) فلم يكن كذلك، وحاله بعيد كل البُعد عن ذلك.
ظلت عملية التشويه وغسيل الأدمغة ضد السلطان عبد الحميد ودولة الخلافة مستمرة بمختلف الوسائل؛ مسرحيات، روايات، أفلام، لوحات فنية تصوّر عصر الحريم والعُرى والاختلاط، وأجواء الطرب والفجور، وبطش الوُلاة وجور جُباة الضرائب للإساءة للعهد العثماني.
وقد صوّره جورجي زيدان بصورة الحاكم المستبد الشهواني الفاسق والظالم المتهتّك، ونُشر الكتاب يحمل صورة السلطان عبد الحميد ترقص أمامه امرأة عارية (!!!) رغم أن السلطان عبد الحميد قد عُرف عنه عكس ذلك تماماً، فقد عُرف عنه حرصه على أداء الصلوات ومواظبته على أداء صلاة الجمعة في مسجد (يلدز) كما كان ذا قلب رحيم بالرعية يعرف مسؤلية ما تولاّه من أمرهم.
أقوال مشرفة من حياته: يقول السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته التي كتبها (وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور/ محمد عبد الحميد حرب) بعد عزله: (... قدمت من جيبي الخاص- تقربًا وزُلفى إِلى الله لعباده الذين حَمْلُهم أمانة في عنقي- نفقات الجوامع الشريفة في كثير من هذه القرى).
ويقول: (... ولم يفارق ذهني- ليس في أيام ضيقة كأيامي هذه، وإنما في أكثر أيامي سعة ورخاء- منظر امتداد أيدي الجائعين من أفراد الشعب إِلى لقيمات تدخل معدتهم لكى تشبع بطون ثلاثة أشخاص أو خمسة حتى التخمة تحت شعار التجارة الوطنية...).
ويقول: (كانت نفقات عباد الله ووقودهم وأدويتهم لا تفارق تفكيري أبداً، و أنا لا أذكر هذه الأمور في موضع الدفاع عن نفسي،لأن الذين حلّوا محلّي دافعوا عني كثيرًا بما فعلوه، حتى إِني كنت أشكرهم كثيرًا على هذا، لم لم يظهر شبح النكسة التي أحلّوها بديني وبدولتي).
ويقول: (لا أجد من حقّي أن أفخر بالخدمات المتواضعة التي عدّدتها، لأنها كانت واجبي، واليوم أنظر إِليَّ في ندم وأسى، وإِذا عشت فسأعترف بقلمي- وبالتفصيل- بأنه كانت لي عدة جوانب تقصير!).
أشرف موقف للسلطان الشهم: عندما عرض عليه وفد من اليهود من قِبَل هرتزل مبلغاً ضخماً من المال والذهب يقدّر بالملايين مقابل أن يقطعهم جزءاً من فلسطين كي تكون بلدًا لليهود في أرض الشام، وكان ذلك عام 1901م قال للوفد: (انصحوا الدكتور هرتزل بألاّ يتخذ خطوات جديّة في هذا الموضوع؛ فإِني لا أستطيع أن أتخلّى عن شبر واحد من أرض فلسطين... فهي ليست ملك يميني ... بل ملك الأمة الإِسلامية... لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه... فليحتفظ اليهود بملايينهم... وإِذا مُزقت دولة الخلافة يوماً فإِنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن... أما وأنا حي فإِن عمل المبضع في بدني لأهون عليّ من أن أرى فلسطين قد بُتِرَت من دولة الخلافة، وهذا أمر لا يكون، إِني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة...!).
لمحات من التآمر ضدّه: استمرت هذه الحملة الشعواء ضد السلطان عبد الحميد وضد دولة الخلافة التي بدأت تنشط من جديد، وكان من الطبيعي أن تستمر هذه الحملة ويساندها اليهود لأن عبد الحميد كان هو العقبة الكؤود في طريق قيام دولة لليهود في فلسطين، الأمل الصهيوني الذي يحلم به اليهود، يضاف لذلك الخوف الشديد - كما ذكرنا - من دولة الخلافة التي استمرت ستة قرون، وقد أصابها ما يصيب الأمم من وهن، وها هو ذا عبد الحميد يبعثها من جديد.
بدأت المؤامرات على الدولة العثمانية نفسها من قبل عبد الحميد الثاني بهدف استغلال فترة ضعفها للقضاء عليها؛ فحينما تُوفي والده عبد المجيد عام 1861م تولى بعده أخوه عبد العزيز عم عبد الحميد، وللأسف عمل عبد العزيز على متابعة نهج عبد المجيد في مسيرة التغريب تحت شعارات الإصلاح والتحديث التي انخدعوا بها، ومع ذلك لم ينج عبد العزيز من المؤامرات من رجال القصر الذين كان معظمهم من جمعية (تركيا الفتاة) صنيعة اليهود والتي بدأ تشكيلها عام 1860م، فتم عزله بعده عدة مؤامرات، ثم تم تدبير مقتله بعد أربعة أيام من عزله، كما تقدم ذكره في الكلام في ترجمته، ثم تولى بعده السلطان مراد الخامس شقيق عبد الحميد، وكان في السادسة والثلاثين من عمره وعلى صداقة حميمة بولي عهد إنكلترا آنذاك، والذي ضمّه إِلى الماسونية مبكراً، فمهّد له طريق الحكم، ومعزّزاً صلته بأعضاء (تركيا الفتاة) التي عملت أحياناً تحت اسم (العثمانيون الجُدد) أو (الاتحاد والترقّي).
مكث السلطان مراد الخامس في الحكم فقط 93 يوماً، لم يخرج فيها يوماً للشعب، ثم ظهرت عليه علامات الجنون، وبعد كتابة تقرير طبي عنه قام أعضاء جماعة (تركيا الفتاة) المهيمنين على الأمور بعزله وتولية أخيه عبد الحميد الثاني الذي كان غُصّة في حلوقهم فيما بعد لمدة ثلاثين عامًا، تولَّى الخلافة يوم 31 أغسطس عام 1876م يوافق عام 1293ه وكان عمره آنذاك 34 عامًا.
في هذا الوسط وفي هذا الجو من التآمر تولَّى عبد الحميد الخلافة، لا سيما بعد بروز هذا التيار العلماني من جماعة (تركيا الفتاة) الذين بدأوا يسيطرون على الامور في دولة الخلافة، ويحملون في صدورهم من العداء لآل عثمان ودولتهم ما الله به عليم، ساعدهم على ظهور أمرهم ورفعة شأنهم – آنذاك - ضعف الدولة وضعف شخصية سلاطينها، وها هو عبد الحميد قد آن له أن يوقف شرهم لأنه - ومع صغر سِنّه عند تولّيه الخلافة - كان على دراية تامة بهم.
يصوِّر السلطان عبد الحميد هذا الجو الذي كان سائداً عند تولّيه الخلافة، ويبيِّن المؤامرات التي كانت حول خلع عمه فيقول: (كلن المرحوم عمي وقوراً، وكان كريم الظن بكل إِنسان، فقد عفا عن رجل حقود مثل عوني باشا، وبعد فترة قليلة عيّنه سر عسكر (قائد الجيوش) وهكذا ذهب عمي ضحيّة خطئه هذا، باشتراك مدحت باشا في عملية الخلع، انتقل بذلك من مصاف رجال الحكم إِلى عداد الثوار، ولا يسْتطيع حاكم قط أن يثق في رجل اشترك قي عملية خلع، حتى ولو كان الحاكم الجديد خصمٌ في حياة الحاكم القديم... ولم يكن مدحت باشا هو الصدر الأعظم (أي رئيس الوزراء) وقت توليتي الخلافة، وقد عينته فوراً في الصدارة؛ لأنه كان محل ثقة واحترام الرأي العام، ولأن الموقف كان يحمل في طيّاته حساسية وخطراً غير عادي).
ثم يصف السلطان عبد الحميد تسلّط مدحت باشا الصدر الأعظم، وكيف كان متسلّطاّ ويعطي لنفسه حقاً لا يملكه فيقول: (... وجدته ينصّب من نفسه - ومنذ اليوم الأول- آمراً عليّ ووصيّاً، وكان في معاملته بعيداً عن المشروطية (دعوة إلى إِباحة الحرية العامة والمشاركة في الحكم والعمل بالدستور بدل الإِسلام. وأقرب إِلى الاستبداد).
لعب الصدر الأعظم مدحت باشا دوراً خطيراً في هدم الخلافة الإِسلامية (وسيأتي في ترجمته ذكر ذلك وبيانه) و كان هذا الرجل مغروراً يوهم السلطان عبد الحميد دائماً أن الأمة تحبه حبًّا شديداً (أي مدحت!)، وأن السلطان لو عزله عن منصب الصدارة العظمى فستقوم في البلاد ثورة ضخمة، و أنه من الممكن أن يؤدِّي ذلك إِلى خلع السلطان أو إِعدامه!.
مع أن الحقيقة التي حدثت عندما عزله السلطان عبد الحميد كانت على عكس ذلك تماماً؛ يقول السلطان عبد الحميد في مذكراته: (... والذي حدث عندما أبعدته إِلى أوروبا؛ أن أحداً لم يفتح فمه، وهنأني كثير من الوزراء ورجال الدولة، ونظم الشعراء القصائد في مدحي، وهاجموه أيضاً بالقصائد، ونشروها في الصحف والكتب...)!.
كما يصف السلطان عبد الحميد في مذكراته الدّور الذي قامت به جماعة تركيا الفتاة في التخطيط للإِطاحة بالخلافة فيقول: (... هؤلاء الذين أطلقوا على أنفسهم اسم (تركيا الفتاة) كانوا في الأصل ثلاثة أشخاص أو خمسة، وهؤلاء عملوا ضدي عدة سنوات في أوروبا، تكلّموا، وخطّطوا، وكتبوا، كل ذلك قبل أن يفكروا أن العمل ضدي معناه أيضاً العمل ضد الوطن، كانت صحفهم التي يصدرونها تأتي خفية إِلى البلاد عن طريق البريد الأجنبي، وتوزع بواسطة الأجانب... مضت أعوام ولم تحدث آثار جدّية هامة لهذا، لأنها لم تكن أعمالا تنبع من أفكار جدية هامة... ورغم هذا فإِنني كنت على صلة بهم... وحتى لا يتورّطوا في شيء نتيجة لإِفلاسهم - وهم في بلاد أجنبية - فقد بذلت لهم مساعدات مادية كبيرة بحجة شراء صحفهم، و أغمضت عيني عن إِرسال بعض الأشخاص للنقود إِلى البلاد؛ لكى لا يكونوا أداة للأجانب، وكنت أقول: إِن معارضتهم - رغم خطئها - فإنها يجب أن تظل شريفة!).
أقول: تدل هذه الكلمات التي كتبها السلطان عبد الحميد في مذكراته بهذا الصَّدد، أنه كان على يقظة تامة بأحوال البلاد، وأنه كان غير غافل عما يدور خارج البلاد، وعلى أنه يتمتع بقلب رحيم، فهو يفكّر حتى في حاجة من يعادونه إِلى المال، وعلى أنه نزيه شريف، عنده من عزة النفس ما دفعه لأن يساعدهم حتى لا يحتاجوا إِلى المال، وهم في بلد أجنبي يعادي دولة الخلافة، إذ أنه ربما تدفعهم حاجتهم إِلى المال في هذه البلاد إِلى أن يقعوا فينا لا تُحمد عقباه.
وفي المرة القادمة إن شاء الله سنبدأ بالكلام عن قصة عزل السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله.