مستقبل الإعلام تتعدد إذا وسائل نقل الصورة الإعلامية، وتعددية هذه الوسائل تقود إلى تكوين صورة ذهنية محددة لدى المتلقي، لكن في عصر تدفق المعلومات هذا المتلقي أصبح ذا عقلية نافذة، خاصة أنه حينما يساوره الشك يستطيع أن يستدعي الرسالة الإعلامية عبر شبكة الإنترنت، لتحليل مضمون هذه الرسالة، فضلاً عن أن هذا المتلقي اصبح أيضًا فاعلاً، فأصبحت وسائط التفاعل الاجتماعي مثل facebook و twitter وغيرهما أدوات إعلامية بامتياز. إن تنامي التفاعل بين الجمهور وأدوات الإعلام الاجتماعي أدت إلى شبكات جديدة للتواصل الإعلامي وما حدث في تونس ومصر العام 2011 م، خير دليل على ذلك، إذ برهنت هذه الأدوات على فاعلية واسعة النطاق، أقوى بكثير من وسائل الإعلام التقليدية، لتشكل هذه الظاهرة ما يسمى دوليًا بالصحافة الشعبية التي تقوم على أداء الجمهور لوظائف الإعلام، لكن هذه الظاهرة لم تستوعبها الاجيال الأكبر سنًا، لكن دعونا نستدعي من الذاكرة البشرية ما يلي :- في عام 1945م، تجمع الناس حول أجهزة المذياع لمعرفة الأخبار الفورية وظلوا بجوار المذياع لسماع المزيد من الأخبار حول وفاة الرئيس فرانكلين روزفيلت، وكذلك الحال في خمسينيات وستينياتالقرن العشرين حينما كان الوطن العربي يستمع عبر المذياع لأغنياتأم كلثوم. حدث شيء مماثل في عام 1963م، ولكن من خلال التلفاز، حينما اغتيل جون كيندي، فقد تحلق المشاهدين حول شاشة التلفاز لكي يشاهد الحدث الأصعب في أقوى قوة في العالم. لكن الأقمار الصناعية وأجهزة التقاطها جعلت الحدث ينقل عبر الشاشات سريعًا، كحادث 11 سبتمبر 2011م. لكن الشيء العميق هو إنتاج الناس العاديين أخبارهم وبثها في التو واللحظة. الإعلام البديل: من أشهر هذه الأنواع مركز الإعلام المستقل Independent Media Center المعروف أيضًا باسم إندميدياIndymedia. فقد تم تأسيس هذا المشروع في 1999 على يد مجموعة من الناشطين المناهضين للعولمة الذين أرادوا تغطية مؤتمر منظمة التجارة العالمية في سياتل بطرق لم يعرفها الإعلام التقليدي. وقام الناشطون العاملون في المركز بجمع مادة من مصادر مختلفة، منها أشخاص يحملون كاميرات في الشوارع التقطوا صورًا لضباط الشرطة المحلية وهم يسيئون معاملة المحتجين. وفي ظل توافر نشرة إخبارية وموقع له على الويب، تمكن إندميديا من جذب جمهور كبير – وتسببت زيارة ثقيلة الوطأة من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI في لفت الانتباه للمجموعة بدرجة أكبر. وقد أعطى الجهد المبذول في سياتل مركز الإعلام المستقل دفعة قوية فنشر جناحيه. وبحلول منتصف عام 2003 أصبح له عشرات الوحدات التابعة في الولاياتالمتحدة وحول العالم. عندما اجتاحت الولاياتالمتحدةالعراق في ربيع عام 2003، نزل المحتجون إلى شوارع سان فرانسيسكو وشلوا الحياة في المدينة وفقًا لروايات كثيرة. ومن خلال تعميم كاميرات رقمية وحاسبات محمولة و WI FI، تمكن المراسلون الصحفيون التابعون لإندميديا – وهم صالة أخبار مجمعة ذاتيًا – من تصوير الأحداث ببراعة. وبوجه عام حقق جهد إندميديا بعض النتائج الجديرة بالثناء والإشادة. لكن سجل أداء متباين بطرق تُشعِر الصحفيين التقليديين بأضيق وعدم الارتياح، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى غياب الإشراف التحريري. وقد قام موقع جوجل نيوز Google News بحذف قصص إندميديا من قوائمه – وفقًا لشركة البحث – بسبب القلق بشأن الغياب المتعمد لرقابة مركزية تحريرية على ما يساهم به الأفراد في الموقع. ومعظم ما ينشره الموقع عبارة عن صحافة قوية وفي بعض الأحيان رائدة، ولكن كما هو الحال مع جميع الأخبار المنقولة بواسطة الجماعات الشعبية، يُنصح القارئ بالنظر لها بعين الشك. إن العملية التحريرية جزء رئيسي من الديمقراطية الآن Democracy Now، وهي محطة إذاعية وخدمة الكترونية ذات ميول يسارية ترعاها شبكة باسيفيكا الإذاعية في الولاياتالمتحدة . ولقد أجرت إيمي جودمانAmy Goodman وزملاؤها على حدوث قفزات فنية وابتكار في الإعلام الجديد في الوقت الذي ينتجون فيه مادة ذات تأثير حقيقي. ولقد أجرتجودمان التي تعرضت للضرب من قبل عناصر في الحكومة الإندونيسية وتم ترحيلها من تيمور الشرقية أثناء قيامها بتغطية نضال التيموريين من أجل الاستقلال، تغطية صحفية للصراع تعد من بين الأفضل. ولم يكن إخراج المادة الصحفية من البلاد أمرًا سهلاً. ففي مرحلة ما طلبت من ركاب الطائرات المتجهة إلى أستراليا أخذ أقراص مدمجة ذات برامج فيديو مضغوطة معهم، وقام مالك مقهى إنترنت أسترالي بعد ذلك بإرسال البرامج إلى مقر المنظمة في نيويورك. لا تزال الديمقراطية الآن! تعتمد على الأشكال التقليدية للاتصال، ولكنها في الطريق لأن تصبح "حدودًا مشتركة بين عالم الويب والإعلام الجماهيري". هذا ما قالته جودمان. ظاهرة إعلام ويكي يعد Wiki شكلاً لجمع البيانات الإلكترونية ذات صبغة ديمقراطية عميقة. ففي فبراير 2004 نشر Wikipedia وهو واحد من أكثر المواقع المرجعية الإلكترونية شمولاً في العالم قام متطوعون بإنشائه وإدارته، مقاله رقم 500 ألف أو بعبارة أدق: قام أحد المساهمين في الموقع بنشر المقال. يعد ويكيبيديا واحدًا من اكثر التطورات سحرًا في العصر الرقمي. فيعد مرور اكثر من ثلاث سنوات على ميلاده، اصبح موردًا قيمًا ونموذجًا للكيفية التي يمكن بها للقاعدة الشعبية في عالم اليوم المترابط أن تقوم بأشياء غير عادية. إنه نموذج للإعلام القائم على المشاركة لا يوجد له مثيل وهو امتداد طبيعي لقدرات الويب في سياق الصحافة. يتحدى الموقع الافتراضات التي يمكن أن يضعها المرء من النظرة الأولى. فبرغم كل شيء يمكن أن يتصور المرء أنه إذا استطاع أي إنسان تحرير أي شيء، فلا ريب أن المخربين الإلكترونيين سيدمرونه. ولا شك أن الحروب الملتهبة حول محتوى المقالات ستحبط النوايا الحسنة. وبالطبع ستكون جميع المقالات هراءً من إنتاج هواة . ولكن الطبيعة المفتوحة لموقع ويكيبيديا هي أعظم موارده، وقد برزت كمورد يتمتع بالمصداقية. تميل مقالات ويكيبيديا لاستخدام نبرة محايدة، وعندما يكون الموضوع مثيرًا للجدل، تشرح وجهات النظر المختلفة فضلاً عن بيان الحقائق الأساسية. وعندما يكون بوسع أي شخص تعديل ما قمت بكتابته توًا على الموقع، تصبح مثل هذه النزاهة جوهرية. ويستمد موقع ويكيبيديا القوة من متطوعيه الذين يرصدونه ويعالجون كل فعل من أفعال التخريب الإلكتروني. وعندما يعلم المخربون أن شخصُا ما سيصلح التلف في غضون دقائق معدودات ويحول ذلك دون رؤية العالم له، يميل الأشخاص الأشرار للشعور باليأس والانتقال إلى أماكن أضعف. ولا يعني ذلك القول بأنه لا تحدث اختلافات في الرأي، ا وان ويكيبيديا يعمل على أكلم وجه، فالمحررون يحاولون توجيه المنازعات على نحو يحقق في النهاية نتيجة أعظم. وهناك صفحات تتضمن مناقشات لمحتويات ويكيبيديا يناقش فيها الناس أحيانًا بصورة مغرضة ما ينبغي أن يتضمنه المحتوى. وفي النهاية، فإنه حتى الخصوم للدودين ويمكن أن يجدوا أرضية مشتركة من خلال احتواء الاختلافات والاعتراف بها، الأمر الذي يُكسب الموسوعة اتساعًا اكبر. لكن بعض النقاشات يصعب في النهاية التحكم فيها وتهدئتها. حرب الفضاء الرقمي إن تدفق المعلومات عبر شبكة الإنترنت وكذلك تفاعل الجمهور عبر هذه الشبكة بلا حدود، أوجد خطورة حقيقيةلأمن وسلامة المجتمعات من الاختراقات، عبر نشر الأخبار الكاذبة والمعلومات غير الدقيقة، التي تهدد الأمن الجماعي للمجتمع، فالحرب عبر الفضاء الرقمي Cyberspace، ففي أكتوبر 2009 تولى أحد جنرالات الجيش الأمريكي رئاسة هيئة عسكرية جديدة بالولاياتالمتحدة تعرف بقيادة حرب الفضاء الرقمي، مهمتها استخدما تقنيات المعلومات والإنترنت كسلاح للحرب، وفي كل من روسيا والصين وعشرات الدول شيء مماثل، حيث تجهز هذه المؤسسات ما يطلق عليه القنابل المنطقية Logic Bombs وثغرات التسلل Trapdoor ووضع متفجرات افتراضية في الدول الأخرى في وقت السلم، هذا ما يسمى حرب المعلومات. إن قياس قدرة الدولة في هذه الحرب لا ينصب على قدرتها على الهجوم، بل أيضًا على قدرتها على الدفاع والاعتماد والدفاع، والدفاع هو قياس قدرة الدولة على اتخاذ إجراءات عند تعرضها للعدوان لصد الهجمة أو تخفيف آثارها، أما الاعتماد فهو مدى اتصال الدولة بالإنترنت واعتمادها على الشبكات والأنظمة التي قد تكون عرضة للأخطار. رؤى للمستقبل - لابد من بناء شبكات إعلامية متكاملة الأهداف وفق صورة إعلامية واضحة لكل دولة ومجتمع تقوم بالدرجة الأولى على الشفافية المعلوماتية وعلى المصداقية، إذ أن الأمن الإعلامي والمعلوماتي صار هدفًا أساسيًا. - لابد من رصد وتحليل شبكات التواصل الاجتماعي لرصد المشكلات المطروحة ولصد الهجمات والإشاعات المغرضة. - لابد من الولوج للعالم الرقمي عبر المكتبات الرقمية وقواعد البيانات المعتمدة - إعادة بناء وظيفة الإعلام ليكون تفاعليا مع الجمهور ملبيًا طلباته الحقيقية. - ضرورة إدراك أن الشبكات الإعلامية الرقمية تؤدي إلى تواجد مشتعل لشبكات محدودة على مستوى الأفراد أو الأحياء أو الشوارع أو التجمعات المهنية، هذا ما سيؤدي إلى بناء شبكات أضيق فأضيق للتواصل مستقبلاً، وهو ما يضع عبئًا ثقيلاً على الإعلام العام لكسب الجمهور. - ضرورة محو الأمية المعلوماتية التي تعني ببساطة قدرتنا على تحديد المعلومات التي يمكن استخدامها بشكل فعال في حل قضية أو مشكلة، ولكن مع الكم الهائل من المعلومات المتاحة على الإنترنت تصبح هذه السهولة أمرًا مشكوكًا فيه، والعثور على المعلومات التي تحتاجها يمكن أن يشكل تحديًا. وإلى جانب ذلك يجب أن يكون مستهلك المعلومات لديه وعي معلوماتي، فترشيد وتنقيح وتدقيق المواد المتدفقة عبر الإنترنت شكلة كبرى