أخيراً وفي 15 أبريل سقط النظام بعد أن بدأ التحقيق مع الرئيس السابق ونجليه وصدور حكم المحكمة الإدارية العليا بحل الحزب الوطني لإفساده الحياة السياسية ولأنه كما قالت المحكمة وبحق: "لا يستقيم بعد سقوط نظام حسنى مبارك أن تبقي أدواته التي استخدمها في إفساد الحياة " ولقد كانت قوي الثورة وشبابها على حق حين أصروا على ضرورة استكمال سقوط النظام الذي بدأ سقوطه في 25 يناير وأعلنت تلك القوي مراراً وتكراراً وجوب محاكمة حسني مبارك ونجليه وحاشيته وحل الحزب الوطني وإعادة مقاره للدولة وتغيير المحافظين وحل المجالس المحلية وكان سر هذا الإصرار هو أنه لا يمكن أن تنتهي مخاطر الثورة المضادة المهددة لمكتسبات ثورة 25 يناير من حرية وكرامة وعدالة إلا بتفكيك بنية النظام السابق الفاسد الذي يمكن أن يحاول الانقضاض مرة أخرى على مصر ليغتال حلمها الوليد. ومن ناحية أخرى كان منطقياً القول بأنه لا يمكن بناء نظام جديد نظيف إلا بعد تنظيف الوطن من بقايا النظام السابق وهذا ما كاد أن يتم اليوم من خلال جراحة سلمية نجحت بأقل قدر من الخسائر برغم أن قطرة دم واحدة من شهداء الثورة ومصابيها أغلى من الدنيا وما فيها. وماذا بعد سقوط النظام: والسؤال الهام الآن: وماذا بعد سقوط النظام؟ وإلى أين تتجه الثورة؟ وما هي أولويتها؟ وقد يسارع البعض بالإجابة مؤكداً الآن حان وقت بناء النظام الجديد، وأقول له: صدقت ولكن كيف؟ وأصعب الأسئلة التي يتم توجيهها هي التي تبدأ بكيف؟ كيف نبني النظام الجديد؟ وهذا السؤال موجه لكل قوي الثورة وكل من يملك قدرة على تقديم روشتة علاج للأزمة المصرية بمشاكلها المتراكمة عبر عقود طويلة، وإذا كنا جميعاً وخاصة الشباب منا يملك قدرة على النقد واكتشاف الخلل فالمطلوب من الجميع اليوم ألا يكتفي ويقنع بذلك بل الواجب أن يسهم في عطاء العقول بعد أن أسهموا في التضحيات التي جعلها الله سبباً في إسقاط النظام. منطلقات هامة لبناء النظام الجديد: أحسب أنه لابد من حدوث اتفاق على عدد من المنطلقات لبناء النظام الجديد بين جميع المعنيين بالمشاركة في هذه المهمة وأقصد بالجميع هنا كل القوي الفاعلة على أرض الواقع بمصر سواء كانت قوي إسلامية بتنويعاتها المختلفة بين إخوان أو سلف أو جماعة إسلامية أو جمعيات خيرية أو غيرها وأيضاً كل القوي السياسية بتنويعاتها المختلفة علمانية ليبراليه أو يسارية أو قومية أو غيرها وأيضاً يدخل في الجميع النقابات أو الاتحادات العمالية وأيضاً غير المسلمين من أبناء مصر. ومن هذه المنطلقات: أولاً: مصر أمام أزمة كبيرة: إن الأزمة التي تعيشها مصر اليوم هي نتاج لتراكم خطايا النظام السابق خاصة وما سبق من نظم بشكل عام. فالأوضاع في مصر تخطت وصفها بكونها مجرد مشكلة إلى وصفها بأنها أزمة حقيقية ولعل المشاكل التي أطلت بوجهها خلال الثورة من غياب الأمن وشيوع البلطجية والإضرابات الفئوية والاقتصاد المتردي والأحداث الطائفية دليل على ذلك. فالأزمة لا تقتصر فقط على مجال دون آخر لكنها ممتدة في كل المجالات الدينية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وهي أزمة على مستوي الداخل المصري وأيضاً على مستوي الدور والعلاقة الخارجية لمصر، وهي أزمة يشعر بآثارها ووطأتها السواد الأعظم من الشعب المصري الذي عاني عبر سنوات طويلة من اعتي أشكال الاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان وتزييف الإرادة والإقصاء السياسي والفساد السياسي والإداري والانحطاط القيمي والخلقي والفقر والبطالة والتدهور في الفن والذوق العام والاختلال في توزيع الثروة والتأخر العلمي والتعليمي إلى غير ذلك. وإذا كان الأمر كذلك فلابد من الاتفاق على توصيف صحيح لهذه الأزمة وتحديد لجوانبها المختلفة لتحديد حجم المهمة المطلوبة وأولوياتها لأن هناك قضايا تحتاج لعلاج عاجل قبل غيرها. ثانياً: مواجهة الأزمة بالمشاركة لا بالمغالبة هناك حقيقة يجب أن يدركها الجميع وهي أن الأزمة التي تواجهها مصر اليوم هي أكبر من قدرات أي تيار سياسي بمفرده، وإذا كان أهم دروس ثورة 25 يناير أن الأهداف الكبيرة كإسقاط النظام تحققت باجتماع كافة الجهود المخلصة فإن مهمة البناء للنظام الجديد أيضاً ومواجهة الأزمة الكبيرة تحتاج لجهود الجميع ويخطئ من يري أنه بمفرده قادر على تحقيق ذلك وأكثر خطأ منه من أراد أن يفرض على الجميع أجندة خاصة على خلاف الحل الذي يتوافق عليه أكثر المصريين. ثالثاً: فرصة ذهبية لتحقيق النهضة المصرية: يجب أن يتفق الجميع على أن أمام مصر اليوم فرصة ذهبية لتحقيق النهضة والتقدم لأن ثورة 25 يناير وفرت للشعب المصري أهم مقومات النهضة وهي الحرية والكرامة والأمل في العدالة القانونية والاجتماعية وهذه المقومات إذا أضيفت إلى الإيمان بالله الذي يتمسك به المصريون فإننا ندرك أن أمامنا فرصة لبناء المواطن الذي يتحمل أعباء تلك المهمة الرائعة الشاقة لتحقيق التقدم والنهضة. وهذه الفرصة يجب على الجميع الاتفاق على وضع تصور لبلوغها وتحقيقها اعتماداً على قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" رابعاً: تجنب السيناريوهات المخيفة: هناك من يتعامل مع الأزمة المصرية وفرصة النهضة بصورة قد تؤدي إلى حدوث نتائج قد تطيح بكل مكتسبات ثورة 25 يناير بل وقد تعمق الأزمة وحتماً ستضيع الفرصة. ومن ثم يجب أن يتجنب الجميع جملة سيناريوهات مخيفة هناك من يروج لها وبعد استبعاد سيناريو الثورة المضادة فمن هذه السيناريوهات: 1- سيناريو الابتزاز الطائفي الذي يدعوا إليه وينفذه بعض من متطرفي العلمانيين مع بعض متطرفي أقباط المهجر والكفيل بأن يدخل البلاد في شقاق لن يستفيد منه أحد. 2- سيناريو الفوضى الذي يدفع إليه البعض بوعي أو بغير وعي عندما يتحركون بصورة منفردة دون اتفاق مع كل القوي الأخرى في معالجة مسار الثورة أو عندما يعلي البعض من مطالبه الفئوية أو الطائفية مما يؤدي إلى شيوع الفوضى ويحتم تدخلاً عسكرياً للقبض على زمام الأمور بالبلاد ومن ثم قد نجد أنفسنا أمام صورة مشابهة لما حدث في 1954م. وإذا كانت هذه منطلقات يجب الانطلاق منها لبناء نظام جديد فلابد من تحديد الأولويات في إتمام هذا البناء وهو ما يستوجب حديثاً خاصاً عنه في مقال قادم إن شاء الله.