لا أدري لماذا بعد استماعي مؤخراً لخطاب نموذجي لأحد حكامنا العرب (يعني حزر فزر مين، والحبل على الغارب!)، جلست أردد في نفسي – أو بصوت خفي! – خلال وبعد الخطاب "الحكام العرب شعراء، الحكام العرب شعراء.....، يقولون ما لا يفعلون، يقولون ما لا يفعلون...."، وربما مرد ذلك لكوني لم أجد الرابط والتبرير المنطقي بين ما يقوله هذا الحاكم في خطابه وبين ما يفعله على أرض الواقع، فأردت أن أجد له – وباقي أصحاب الجلالة والسمو والفخامة الشلة – أي تبرير والسلام ليحل في مخي السلام، وإن كان غير منطقياً أو شرعياً ينطبق عليه، وليسامحني الله. وعودة إلى المقصود ب"الخطاب النموذجي للحاكم العربي"، الذي ولله الحمد ما زال من أهم ثوابته أنه يبتدأ بالبسملة وينتهي بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته – الله لا يغير علينا – وبين البسملة والسلام، الختام، وطارت للشعب أحلام مع أنهم أثناؤه نيام! ويبقى بعد البسملة وقبل السلام، أن أضع أمامكم أهم باقي الثوابت المضروبة بمسمار جحا في أغلب خطابات حكامنا العرب والتي لا تخفى على كريم أسماعكم (ولذلك فمقالي هذا صالح في أي زمان ومكان عربي)، مع شوية تحليل (تريقة) من قبلي على الخطاب السامي، مع استخدام "قفشات" من اللهجة المصرية الخفيفة والمخففة على القلب والروح، الجادة في إيصال المعنى: صيغة القرابة (إخوتي، أبنائي..)+المواطنون: يا باشا دام أنا من بقية أهلك خذني أعيش معك في بحبوحة، عوضاً عن حياتي المذبوحة! الله يمد عمرك كصبوحة ! الديموقراطية: أبسط وأهم تعريف للديموقراطية هو "حكم الأغلبية". الأغلبية فين؟ أو بمعنى أصح "شلها يا أغلبية". أبوابنا مفتوحة: ميكانيكي السواق بتاع حضرتك، لن أستطيع مقابلته ! أنا في خدمتكم: طبعاً خدمة خمس "نجوم الظهر"، ولا أنسى في هذا المقام ما "وراء الشمس"! حرية الرأي والتعبير: أسمع وأرى وأتكلم عبر "حواس" الحكومة، غير كذا لا أسمع لا أرى لا أتكلم! السلطة التشريعية: خليط من أفراد ينتمون لأحزاب وجمعيات دياسية (دين – سياسية) مستغلة (أوعى تصدق أنه يوجد نائب مستقل/ كتلة مستقلة)، هدفها دوس آمال الشعب بحجة مقترح بقانون أو برغبة، أو الأدهى "الحكومة مش موافقة"! السلطة القضائية: قضى، يقضي، يقاضي، تقاضوا، قاضي، قضاة، قضية، قضايا، قضائية.....يعني سير عمل المحاكم سنة وراء سنة وراء سنة ... هكذا دواليك ولا دوا ليك، حتى يصل الأغلب قضاء الله، وويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء. السلطة التنفيذية: عشماوي أو عش مئوي لأصحابها! فصْل السلطات الثلاث: فصْل آخر جامد في الشعب! المستقبل المشرق: عودة إلى "مين الراجل اللي واقف ورى" المستقبل المشرق؟! التغيير: زي "الربيع"، بالشقلوب تبقى "العربي" ! الإصلاح: يعني كل الكلام الفارغ للدولة لا سمح الله ناقص خانة فاضية! طيب يا حبيبي إملأ الفاضي بالفارغ، بماذا سنخرج بالمحصلة؟ (النتيجة إيه؟) "كلام في الهوا"! حقوق الإنسان: شيكا بيكا! محاربة الفساد: شغل البولتيكا! الشفافية: "باسم طلع حرامي"! العلم والتعليم: بعيداً عن الخوض في تفاصيل النظام العلمي والتعليمي العربي المهلهل ابن تعيسة، يكفيني أننا أصحاب أول جامعات أُنشأت في العالم، وأصحاب أخيب جامعات أنشأت بعدها في العالم! الأجيال القادمة: الله يساعدهم إذا ظللتم أنتم أنفسكم – أو زيّكم - لهم. رفاهية ورقي المواطن: في السماء عند ربي. يعني يا عالم عند الله متى وكيف؟! أو لما نجتمع عنده، وعند الله تجتمع الخصوم. المواطنة الحقة: أهم شيء لن ينتظر أن يتعلمه منكم المواطن الشريف. السلام في المنطقة: "سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين". قضايا الأمتين العربية والإسلامية وأهمها القضية الفلسطينية: متى تُنظر في الأمور المستعجلة، وتحكّموا فيها ضميركم بحق؟؟!! هل ما ذكرت أعلاه من تحليل منطقي – ما فيش غيره !- لأهم النقاط التي جاءت/ ستجيء في خطاب أي حاكم عربي (والرغي الفاضي لا يُدقق في زيادته أو نقصانه)، يُعد من باب التريقة أو جلد الذات أوالتغاضي المُجحف عن "إنجازات ذهبية" حققتها الحكام لأوطانها وشعوبها؟ (يعني ممكن هنا للأمانة التاريخية تصريف "ذهبية"، لما رواه "الذهبي"، في سير النبلاء، أو كون أحد رؤوساء الحكومات العربية حمل لقب "الذهبي"!) كلا، وهذا ما يتمناه وسيقول به أصحاب المصالح ومسح الجوخ والباليس.. (الأخيرة لفظة خليجية شائعة ومرادفة لما سبقها). إنما قصدت من "اللفة دي" ببساطة ما قصده ابن تيمية في مقولته "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة". والمعنى في بطن الحاكم؟! ومن منطلق "وحدة بوحدة"، و"العلاقة الوطيدة بين الحاكم والمحكوم"، كان لا بد "منطقياً" من بهدلة المحكومين أيضاً (ولا أبرئ نفسي!). فنحن مجتمعات وللأسف – كلها مع بعضها - أصبح وأمسى أفرادها – إن علموا فتلك مصيبة، وإن لم يعلموا فالمصيبة أنيلُ ! - مرضى بما يسمى "عقدة/متلازمة عرب هَم أو عرب هُم؟!"، (العائدة في حالتي النطق على الحكام مع مراعاة نُطق الثانية بصيغة السؤال والتعجب؟!)، وهي الحالة النفسية العربية الأصيلة التي يطور خلالها الأفراد علاقة خوف من النظام، فيصبح المجتمع ضحية النظام، ويدرك النظام هذه الحالة مع الوقت، حتى يتقن لعبة ابتزاز المجتمع. فيعتاد الشعب على القمع والذل لدرجة تجعله يخشى من التغيير حتى وإن كان للأفضل ويظل يدافع عن النظام القمعى ويذكر محاسنه القليلة جداً دون الإلتفتات إلى مظاهر القمع والفساد الكثيرة. وهي نفسها العقدة التي تفرعت منها واشتهرت ب"عقدة/متلازمة ستوكهولم"، وقد جاءت التسمية نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم بالسويد، عندما سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم حتى بعد إطلاق سراحهم!.
يا جماعة، وما لكم حلف عليَّ، العقدة عربية، يعني الغرب أول مرة "يُلطش" حقنا الذي طلع من أهمه عُقدُنا! وبعدين العقدة "خشّت" عندهم في سبعينيات القرن الماضي، أما عندنا فمنذ قرون خلت، هي وغيرها من العُقَد علينا هطلت، فهزّت كياننا ورَبَت ! وبكرة "الربيع" بكرة!