يقولون في المثل: من ينظر لمصيبة غيره تهون عليه مصيبته، ذلك أن من يشاهد ما ابتلي به غيره من محن أشد وادوم وأهول فحري به أن يتصبر على ما أبتلي به من محنة اقل وأقرب، لذلك ما أن ينتابني الحزن بإنتكاسة الثورة والإبتلاء بالطغيان والقتل الجماعي والجرح والسجن وسيطرة القمع والجهل وعودة الإرهاب والفساد كأشد ما يكون، إلا وأتذكر حال إخواننا في غزة وقد إبتلوا مع بلائنا فوق ما بهم من بلاء، فإستصغر إبتلاءنا إلى إبتلائهم، فأتصبر وأدعو الله لهم ولنا.
تذكرون الوطنيين القومجيين عندما ملأوا الدنيا صراخًا أيام الرئيس المنتخب محمد مرسي عندما صدر من رئاسة الجمهورية خطاب روتيني يحمل مجاملات معلبة لدولة إسرائيل، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها رغم إعتذار الرئاسة عن هذا الخطأ الذي حدث بسبب القص واللصق الروتيني، وزايدوا طويلًا في أمر الخطاب وهم يعلمون جهود الرئيس المنتخب في تخفيف الحصار على غزة وفي عودة الدور المصري المساعد بدلًا من قيام مصر بدور (السندان) للمطرقة الإسرائيلية على غزة ايام حسني مبارك، فكانت تعاني من وضع بين المطرقة الإسرائيلية وسندان النظام المصري، ومع علمهم بجهود الرئيس المنتخب إلا أنهم لم يرحموه من مزايداتهم وتعاملوا مع هذا الخطاب على طريقة (هبلة ومسكوها طبلة)، فطاروا يزايدون به في كل مكان.
هؤلاء القومجيون المزايدون يبدو أنهم جميعًا الآن في (بنها) !!، فلم يأتهم نبأ ما نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية يوم 19 مارس أن إسرائيل تطالب الولاياتالمتحدة وتضغط من خلال حلفائها بالكونجرس لسرعة تسليم مصر 10 طائرات اباتشي !!! لأن ذلك مهم في إطار الحرب على الإرهاب !!، وكان قصارى ما قاله المتحدث العسكري في التعليق على هذا " أن مصر لم تطلب من إسرائيل هذا التوسط " !!، إلى هذه الدرجة وصل الأمر ؟!!!، أن تسارع إسرائيل بطلب طائرات مقاتلة للجيش المصري وقد علمت أنها ستستخدم من أجلها ولن تكون أبدًا عليها أو ضد أهدافها ؟!!، لقد كان أقصى ما تتعاون به إسرائيل من قبل ايام مبارك الكنز الإستراتيجي لإسرائيل ألا تعترض على صفقات السلاح لمصر، وأن تجعلها تمر من الكونجرس بضوابط، أما أن يصل بها الأمر أن تضغط وتستعجل طائرات لمصر فهذا معناه أن الكنز الإستراتيجي قد صار كنوزًا مضاعفة مثل كنوز قارون !!. إذا وضعنا هذا إلى جوار التصريحات المتعاقبة من عسكرين إسرائيليين مرموقين وبينهم قادة سابقين على أعلى مستوى أن إسرائيل تنام الآن أفضل بعد رحيل مرسي، نستطيع الآن أن نتفهم اي حكم في مصر الآن، وما هو موقفه من الشعب الفلسطيني ومن إسرائيل ومن دوره الوطني والقومي والإسلامي، وياليت عراب نظام 3 يوليو الأكبر الأستاذ هيكل الذي طالما علمنا أن الرؤية الإستراتيجية تقتضي أن ننظر لأمن مصر القومي على أنه يبدأ من الشام، ياليته يقول لنا رأيه في الذين يستعجلون السلاح للنظام المصري، هذا السلاح لمن تظنه يوجه ؟!!.
من هنا نتفهم أن إسرائيل لم تكن أبدًا بعيدة عن الحملات التي شنتها أوساط إعلامية وسياسية ضد غزة وأهلها، بداية من الأسطورة البلهاء أن جيشًا خفيًا من (إمبراطورية) غزة قد إخترق (قطاع) مصر في غفلة من الزمن ومن جيشها وشرطتها ومن عشرات الكمائن من غزة إلى ارجاء البلاد، فهاجم سجون مصر جميعًا في آن واحد، ثم عاد أدراجه في غزة دون أن يترك اثرًا !!!، إلى الأسطورة الأخرى الأكثر بلاهة أن غزة هي سبب أزمات مصر من السولار إلى الكهرباء !!!، الآن ندرك أن تلك الأساطير البلهاء والدعايا السوداء كانت من هذه الأوساط الإعلامية حربًا بالوكالة عن إسرائيل – وبالتعاون مع إسرائيل - لتعبئة الرأي العام المصري ضد غزة وضد حماس وضد الرئيس مرسي، حتى إذا جاءت اللحظة المناسبة كانت قطاعات من الشعب مهيئة لتنتقل تلك الحرب بالوكالة عن إسرائيل من المرحلة الإعلامية إلى المرحلة العسكرية التي يصل فيها الأمر أن تستعجل إسرائيل الأباتشي لمصر والتي يتم فيها تدمير الأنفاق التي تشكل شريان الحياة لغزة دون أن يفتح بديل آخر يمكن لغزة أن تعيش منه، والتي يطارد فيها عناصر حماس وغيرهم في الفلسطينيين كما لو كانت مصر قد أصبحت القطاع الجنوبي لإسرائيل !!.
هذه الأنفاق التي كانت تحافظ على الحد الأدنى لتدفق مكونات الحياة في غزة بني عدد كبير منها ايام مبارك الذي كانت إسرائيل تعتبره كنزها الإستراتيجي، والذي حاولت انقاذ حكمه حتى اللحظات الأخيرة، ومع ذلك لم يصل به الحال إلى هذا الحد في خنق غزة والتنكيل بها، كان في مقابل إغلاق المعابر يتسامح مع تلك الأنفاق ويكتفي بدور السندان الذي يحصر الهدف لتنزل عليه ضربة المطرقة فتؤثر فيه، فجاء عهد الرئيس المنتخب فرفع السندان وأصبحت طرقات المطرقة اضعف، لذلك بدأت إسرائيل تحرك أولياءها في مصر لإستعادة كنزها الإستراتيجي، ونجحت في ذلك وزيادة، والآن غزة ليست بين مطرقة وسندان، بل بين مطرقتين !!، غزة التي نتحمل مسؤولية سياسية وتاريخية وأخلاقية عنها كونها كانت تحت الإدارة والحماية المصرية عندما سقطت في يد إسرائيل عام 1967، هي الآن تحت مطرقتين لذئاب لا تعرف الرحمة ولا يعرفون الله، ويشتد عليها الحصار الخانق القاتل، وتتحول غزة إلى سجن كبير لأهلها وإغلاق كامل من الشمال والجنوب، وحصار شبه تام تغلق فيه المعابر وتسد في الأنفاق، فأين المفر، وكيف الحياة ؟!!، فيالهفي على غزة أصابها ما أصابنا فوق ما هي فيه، فأصبحت الآن بين الإسرائيليين الكلاب من الشمال، وكلاب الإسرائيليين من الجنوب، وبين اليهود من الشمال وأوليائهم من الجنوب، " وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ". عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.