لم اعتقد يوما أن العلاقة المتينة بين مصر وأمريكا يمكن أن تهتز. لاهي اهتزت طوال 30 سنة من حكم مبارك، رغم ما كان يروجه الإعلام أحيانا من وجود أزمات صريحة، أو مكتومة مع الصديق الأمريكي، فقد كان ذلك للاستهلاك المحلي بالتغطية على أزمات داخلية، وإشغال الناس بأن طرفا خارجيا بحجم أمريكا يستهدف البلاد ليكسب النظام التفافا شعبيا حوله، ويسكت أي أصوات تطالب بإصلاحات داخلية. كما لم تهتز العلاقة مع أمريكا بعد ثورة 25 يناير خلال حكم المجلس العسكري، وبعده في العام الوحيد لمرسي في الحكم، ولا هى اهتزت بعد عزل مرسي في 3 يوليو، ولن تهتز مع مجيئ السيسي رئيسا، أو غيره. وأمريكا لم تكن ضد ما حصل في 30 يونيو، بل يتردد أنها كانت تعلم، ولم تكن ضد عزل مرسي، كل ما هنالك أن الإدارة كانت تحاول فقط أن تتجمل أمام الرأي العام الأمريكي والغربي حيث تصدر نفسها حاملة لواء نشر قيم الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ومناهضة الاستبداد في العالم غير الديمقراطي، وأمريكا شجعت الإطاحة بمبارك، وأيدت المسار الديمقراطي بعد يناير، ورحبت بانتخاب مرسي، وبالتالي كان ضروريا ألا تظهر تأييدا واضحا وصريحا ومنذ اليوم الأول لعزل أول رئيس منتخب في مصر لأن ذلك سيكون تناقضا صارخا في سلوكها السياسي رغم أن الخروج الشعبي الكثيف في 30 يونيو وما سبقه من احتشاد معارضة واسعة سهل من عملية العزل، ومنح مبررات لتفسير العملية بأنها ثورة أو موجة ثورية جديدة. أما تلك الحملة الإعلامية والسياسية الطويلة والممتدة منذ 3 يوليو وحتى اليوم بأن أمريكا تدعم الإخوان، وتعادي 30 يونيو، وتتآمر على مصر، فهي أقاويل بحاجة لإثباتات قوية ومقنعة، أما مجرد الكلام فقط فهو سلوك يستلهم خبرة الدبلوماسية في عهد مبارك عندما كان يتم خلق فزاعات لأهداف معينة. سيقول البعض وماذا عن تجميد المساعدات المالية وصفقات السلاح؟!. هذا حصل صحيح، وهو مجرد تجميد لبعض الوقت في إطار حفظ إدارة أوباما لماء وجهها بأنها تدافع عن الديمقراطية أمام الرأي العام والإعلام المؤثر. لكن التجميد سيزول وستعود المساعدات والصفقات كما كانت وبأثر رجعي. ومن لايصدق تعالوا نقرأ أخر تصريح لوزير الخارجية جون كيري حيث قال في جلسة استماع لمناقشة طلب ميزانية وزارة الخارجية أنه يأمل في أن يُتخذ قريبا قرارا لاستئناف المساعدات الكاملة البالغة 1,5 مليار دولار إلى مصر، وأضاف : نريد لهذه الحكومة الانتقالية النجاح، ونحن ملتزمون لمحاولة المساعدة في ذلك. وسنزيد من يعتقدون أن أمريكا عدو فقرة أخرى من كلام كيري تقول إن "واشنطن والقاهرة ترتبطان بعلاقات أمن قوية، وعلاقات عسكرية قوية، وهم يريدونها أن تكون قوية، ونحن نريدها أن تكون قوية". نعود إلى أشهر خلت من العام الماضي وتحديدا في 2 أغسطس 2013 أي بعد شهر واحد من عزل مرسي فقد كان لكيري تصريحا شهيرا أكد فيه حقيقة موقف واشنطن المؤيد للسلطة الجديدة عندما قال إن الجيش عزل مرسي لاستعادة الديمقراطية ، وأن الجيش لم يستولِ على السلطة، بل لبى مطالب الملايين التي خرجت في الميادين، مطالبة المؤسسة العسكرية بالتدخل لتخوفهم من الانزلاق في الفوضى والعنف. هل بعد هذا الكلام الجلي كلام؟!. ثم جاءت الزيارة الشهيرة لكيري إلى مصر في 3 نوفمبر الماضي، وقد اعترف خلالها بوضوح بخريطة الطريق وعزل مرسي ودعم السلطة الانتقالية. وعلى عكس ما يروج له الإعلام ومن يتحدثون فيه فإن كيري كشف خلال تلك الزيارة وفي مؤتمر صحفي مع نظيره المصري نبيل فهمي أن هناك دعوة من الرئيس منصور لبدء حوار استراتيجي مع مصر وأن واشنطن قبلتها. بالتالي كيف يظل الإعلام يروج لسيناريو العداء وهو لا يفعل ذلك كله من نفسه ثم يكشف لنا كيري وليس وزير خارجيتنا أن مصر تريد حوارا استراتيجيا. هل لو كانت أمريكا عدوا حقا كنا سنطلب حوارا مع ذلك العدو؟!. واشنطن أيضا تحاشت وصف ما حدث بأنه انقلاب ، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى قطع المساعدات الأميركية - 1.5 مليار دولار سنويا - ويذهب أغلبها للجيش، وهذا يعني حقيقة موقفها الداعم ل 30 يونيو. نريد الجدية في الحديث، فلا أمريكا عدو، ولا هناك أزمة معها، ولا يجب أن نحول أمريكا لعدو، بل الانفتاح عليها، والتعامل معها وفق مصالحنا، والتعامل مع أي قوى أخرى وفق المصالح، وليس الانتقال من صف إلى آخر، وهذا ما كتبته قبل أيام في سياق أسلوب التعامل السعودي مع واشنطن رغم وجود غضب لدى السعوديين يقوم على وقائع أنتج أزمة بين البلدين. ومع تهليل البعض للزيارات المتبادلة مع روسيا مثلا كبديل لأمريكا، فإن موسكو لن تكون أكثر حنانا وحرصا علينا من أمريكا، فالقوى الكبرى لا تتصادم مع بعضها البعض من أجل دول أخرى، بل هم يتفاهمون ويقدمون مصالحهم أولا وعلى حساب كل من هم دونهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.