هناك توتر غير مفهوم في حملة السيسي الانتخابية التي بدأت منذ أمس عمليا ، وأتت وقائع الاعتداء العنيف على أعضاء حملة "حمدين صباحي" لتؤكد هذا التوتر ، وعمليات التحرش بنشطاء حمدين في مكاتب الشهر العقاري ، أيضا حملة السباب والعنف عبر بعض المواقع والصحف المحسوبة على أجهزة حساسة ، أو التي تدعي ذلك ، وهي ظواهر مبكرة تشي بأن هناك ما يقلق المشير السيسي وأعضاء حملته ، أو بمعنى أصح الدولة ومؤسساتها الخشنة ، والحقيقة أن عملية إخراج ترشح السيسي للرئاسة ، بعد طول انتظار أتت مخيبة للآمال ، كما أن ردود الأفعال الشعبية والسياسية عقب إعلانه ربما أثارت الإحباط في صفوف الجهات الداعمة والدافعة للسيسي نحو منصب الرئاسة ، وعندما أعلن مقربون منه تنظيم مليونية في ميدان التحرير احتفالا بإعلانه الترشح لم يذهب سوى بضع عشرات اضطرت الشرطة لإخراجهم من الميدان إلى ساحة عبد المنعم رياض القريبة ، ربما رفعا للحرج إذا ما قامت وسائل إعلام "مغرضة" بتصوير المشهد الذي يعطي رسالة لا يحبها السيسي وأنصاره . لو قدر لأحد أن يرسم مؤشرا بيانيا لحضور شخصية السيسي وجاذبيتها وانتشارها شعبيا ، منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن ، فالمؤكد وبشكل قاطع أن المؤشر سعطي نتائج سلبية تمثل انهيارا أو تراجعا لهذه الشعبية والانتشار ، وسيكشف عن أن هناك تآكلا في حضور السيسي والآمال الشعبية المعلقة عليه ، وهو ما يعني في المحصلة الانتخابية ، غياب حصة تصويتية مهمة في أي انتخابات نفترض أنها تكون شفافة ونزيهة ، ولا تتدخل فيها أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية بالتلاعب والهندسة ، ولو افترضنا أن إعلان السيسي ترشحه للرئاسة حدث في الأسابيع الأولى من إطاحته لمرسي ، لوجدنا ملايين في الميادين والشوارع تحتفل ، لكننا اليوم لا نرى أحدا ، سوى شريحة محدودة من المنتفعين يتبادلون الاتهامات بشراء التوكيلات "المجانية" لترشيح السيسي ، وقد تحولت إلى تجارة الآن ، لأن كل "شيخ طريقة" مرتزق أو رجل أعمال يريد أن يظهر للسيسي أنه الأكثر دعما له وإخلاصا والدليل عدد التوكيلات التي حصلها له ، وبخلاف ذلك لا يمكنك أن تشعر بهذا الحضور إلا في شاشات التليفزيون وصفحات الصحف التي تعمل وفق التكليف وحسب التمويل . هل يقلق السيسي من إمكانية أن يحقق حمدين صباحي مفاجأة ، المسألة لا تتعلق بالفوز في تقديري ، وإنما قد تتعلق بدلالة النتائج ، ربما السيسي أو بعض من يرتبون له أوضاعه لا يريدون أن يقعوا في الدائرة التي وضعوا فيها الرئيس السابق محمد مرسي ، وهي أنه رئيس نصف الشعب ، بالأرقام ، باعتبار أنه فاز بفارق أكثر قليلا من واحد في المائة أمام منافسه أحمد شفيق ، في الوقت الذي يسوق فيه السيسي وداعموه أنه يمثل الشعبية الكاسحة وإجماعا شعبيا بلا منافس ولا منازع ، فلو تصورنا أن صباحي أو أي منافس آخر قد يظهر في مفاجآت الأيام المقبلة ، وهو احتمال قائم ، قد نجح في الحصول على أربعين في المائة أو ما فوقها من نسبة الأصوات الصحيحة ، فالمؤكد أن هذا يحرج جدا السيسي ويحرمه من القيمة الأساسية لفوزه ، كما سيعزز ذلك من نظرة العالم الخارجي له باعتباره تسبب في انقسام المجتمع المصري فعليا ، وهي نفس التهمة التي كان يوجهها لمرسي والتي جعلها سببا للإطاحة به . معركة حمدين صباحي ، رغم احترامي لوجهة نظر المتشككين فيها أو المتشككين في إمكانية أن يكمل حمدين مشوارها ، لا تخلو من فائدة ، ربما الجو السياسي الموبوء والمشحون بدخان المؤامرات والخداع والتمويه ، جعل كثيرين ينظرون إلى مغامرة حمدين بوصفها لعبة أو ربما خدمة يقدمها للسيسي لكي يبدو أن هناك معركة انتخابية ، لكني أتصور أن "اللعبة" ربما تكبر ، وأن أطرافا من داخل جسم الدولة ومن خارجه قد تدخل على مدارات هذه اللعبة ، وربما تحمل نتائج الانتخابات مفاجأة ، ولا ننسى أن الوقت لم يعد في صالح السيسي قطعا ، لأن الانهيارات المتتالية في مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية يزيد من ضعفه التدريجي ، بقدر ما يقوي شوكة حمدين الذي تعاني حملته حتى الآن من غياب الجسارة على بناء تحالفات حقيقية وجادة ومقنعة مع بقية القوى الوطنية والثورية ذات الثقل أو الحضور ، ويشغل نفسه بأحزاب مبارك الكرتونية التي حاولت ركوب الثورة ففشلت .