يحتاج الحكم الموضوعي على عهد الجمهورية الثانية في مصر (1 يوليو 2012 – 3 يوليو 2013) إلى مرور فترة زمنية لتكوين رأي له قدر من الموضوعية والشمول، خاصة مع الحقائق التي تتكشف كل يوم وبإعترافات أركان الدولة العميقة التي ورثها الرئيس محمد مرسي، والذين يعترفون الآن صراحة وبلا مواربة وبتفاخر أنهم عملوا جميعًا على إفشاله، وخانوا أماناتهم وحجبوا عنه وعن حكومته المعلومات الهامة، وعملوا على تضليله وإفشال مساعيه، من هذا نقول ان الحكم على درجة فشل الرئيس مرسي وعلى نجاحاته كذلك يحتاج لوقت. لكن دعونا نسلم كنقطة بداية للحوار – وعملًا بمبدأ التنزل في الجدال والإنتقال إلى ما هو أولى بالذكر- أن الرئيس مرسي كان حاكمًا فاشلًا، وكما في أي نظام هناك حاكم وهناك حكم، فإذا سلمنا أن الحاكم كان فاشلًا، فماذا عن الحكم ؟!. ماذا كان لدينا في عهد الجمهورية الثانية ؟!، كان لدينا حريات إعلامية وصحافية غير مسبوقة، تتيح لهذا الأعلام أن يفتري على هذا الحاكم صباح مساء وبالبذاءات والسخرية القبيحة دون أن يتعرض له أحد، ومناخ يسمح حتى للجرائد الحكومية مثل الأهرام أن تنشر مقالات تهاجم التيار السياسي الحاكم وبشدة، ومثل هذا حدث في التلفزيون الرسمي، كان لدينا حريات عامة تسمح للمعارضين بالتظاهر وحصار القصر الجمهوري، بل وإرسال زجاجات مولوتوف هدية للقصر في بعض الأحيان، كان لدينا مناخ يسمح للأحزاب المعارضة بالإجتماع والتحالف وحرية الحركة الكاملة، ويسمح لرؤساء الأحزاب بالتحرك بين الناس والعمل على الدعوة لإسقاط الرئيس وحكومته، كان لدينا – ومنذ عهد المجلس العسكري الأول للأمانة – إنتخابات حرة وصدور للنتائج من اللجان الفرعية أتاح للموالاة والمعارضة أن يحتكموا جميعًا للصندوق من إجل إقرار الدستور أو رفضه. كان لدينا جيش لا يتدخل في الشأن السياسي كما نص على هذا الدستور، ولا يسمح له بذلك لما حاول إقحام نفسه في الشأن السياسي والدعوة لحوار وطني تحت إشرافه، وكان الحكم المدني والحاكم هنا أكثر ليبرالية وإدراكًا لمسؤوليات الحكم المدني من أدعياء المدنية والليبرالية من التيارات المعارضة. كان لدينا إنتخابات نيابية على الأبواب، وكانت المعارضة مدعوة لدخولها بما تدعيه لنفسها من شعبية يمكن – إن صدقت ونظمت صفوفها – أن تحملها إلى الحكم عن طريق تحقيق الأغلبية البرلمانية وتكوين الحكومة كما ينص الدستور، كذلك كان لدينا رقابة شعبية بلغت من صرامتها مهاجمة الحاكم وإهانته لأن احد ابنائه تم توظيفه براتب بلغ 900 جنيه شهريًا. وهكذا لو سلمنا أن الحاكم كان فاشلًا فإن هيكل الحكم كان يمثل نواة صالحة لنظام ديموقراطي قادر على إمتصاص حالة وجود حاكم فاشل وتفعيل آليات عقابه والحد من تأثيرات فشله عن طريق الإنتخابات المتوالية النيابية والمحلية وغيرها التي تتيح للشعب عقاب الفاشل وإسناد الحكومة والمجلس النيابي إلى معارضيه، كما هو الحال في بلدان العالم المتقدم حين يفرز النظام حاكم فاشل كما حدث كثيرًا في فرنسا وأمريكا فيقوم النظام بعقابه في الإنتخابات النيابية التالية ويأتي بأغلبية من المعارضة ليتزن الحكم ولا يستطيع الفاشل وحده أن يحكم. كان هذا في عهد الجمهورية الثانية التي وئدت تحت جنازير الدبابات وبمباركة أدعياء الليبرالية من الزعامات المدنية التي دفعها حقدها على خصومها لإستدعاء العسكر للتدخل، فماذا لدينا الآن ؟!. لدينا حكم يعتمد على التنكيل بمعارضيه من قتل للآلاف من شبابهم والزج بعشرات الآلاف منهم إما جرحى في المستشفيات أو معتقلين في السجون، لدينا قمع كامل للمعارضة ووضع جميع سياسييها تقريبًا في السجون، لدينا إغلاق كامل للمنابر الإعلامية المعارضة من صحف وفضائيات، وتضييق على ما بقى من المنابر المستقلة – وقليل ما هي- وإختفاء كامل للمعارضة من الإعلام الحكومي، لدينا تحريض يومي مسعور في الإعلام الحكومي والخاص على المعارضة دون رقيب أو حسيب، لدينا مارشال حاكم وعسكرة للحكم في كل المجالات وتدخل عسكري شمل من الإسكان إلى الصحة، لدينا هيمنة عسكرية وشرطية على المحافظات، لدينا أحكام قضائية بإعدامات للمئات من المواطنين دون أن يكون لهم حق الدفاع ولدينا الآلاف قتلوا دون محاكمات، لدينا أحكام إدانة تصل إلى 11 سنة سجن لفتيات شابات بتهمة قطع الطريق العام في الوقت الذي يحصل فيه المدانون بالقتل الجماعي لسبعة وثلاثين مواطنًا على أحكام بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ !!. لدينا إستفتاء على الدستور مشوب بالتزوير الفاضح الذي حول ضعف الإقبال – خاصة من جانب الشباب وهم العدد الأكبر إنتخابيًا- كما إعترفت به دوائر الحكم، مضافًا إلى مقاطعة المعارضة، يتحول – بقدرة قادر- إلى عدد حضور يفوق هذا الذي كان تحت تنافس وإقبال من الموالاة والمعارضة معًا. لدينا دعوة لأحادية الحكم وتأليه المارشال الحاكم، وهجوم بربري وردح إعلامي منقطع النظير على كل مرشح آخر يفكر – مجرد التفكير – في الترشح أمامه. هذا هو الحكم الذي إستبدلنا به حكم الجمهورية الثانية بدعوى وجود حاكم فاشل ووجود أزمات معيشية، فهنيئًا لحكم النجاح الذي تنعم به مصر الآن، والنعيم الذي تتمرغ فيه....صحيح أن الصورة لم تكن كلها بيضاء في عهد الجمهورية الثانية، كان هناك اخطاء وكانت هناك تجازوات، لكن كان هناك لبنة لنظام ديموقراطي حقيقي، كذلك فإن الصورة الآن ليست كلها سوداء، فما زال في مصر مناضلون – مناضلون حقيقيون وليس كاليساريين أعداء الديموقراطية حين يجامل كل واحد منهم الآخر بالمناضل فلان، ولا أدعياء الليبرالية الذين فضحهم الله أيما فضيحة بوقوفهم مع الدكتاتورية والطغيان- ما زال في مصر مناضلون حقيقيون يقفون في وجه الفاشية والطغيان، صامدون صابرون، رغم القمع والتغييب والإرهاب المادي والمعنوي، هؤلاء الذين يحاربون معركة الوطن ضد سيطرة الفاشية بليلها الأسود المصير المظلم الذي تقود إليه، معتمدين على الله، متسلحين بالكلمة والموقف الرافض والصبر مهما كلفهم الأمر، و" كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ".
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.