القصيدة التى نشرت فى عدد من الصحف العربية منسوبة إلى الرئيس العراقى صدام حسين، والتى قيل إنه كتبها بمناسبة محاكمته ، ليست جيدة فى مجملها، وأغلب أبياتها ليس فيه من مقومات الشعر سوى الوزن والقافية ، ومع هذا، ورغم رداءة مستواها الفنى بوجه عام ، فإن فيها ما يدفعنى إلى الإعتقاد بأن سيادته ليس هو مؤلفها، وفيها كذلك ما يدفعنى إلى الإعتقاد بأن المستوى الفنى لسيادته أقل بكثير جدا حتى من مستوى قصيدة رديئة!!،.. وقبل أن أقدم للقارئ دليلى على ما أقول، أقدم له النص المنشور المنسوب إلى الرئيس صدام، مع ملاحظة أننا قمنا بوضع بيتين من الأبيات بين قوسين لسبب سيتضح للقارىء بعد قليل .... فيما يأتى نص القصيدة التى اخترت لها عنوانا من بين إحدى عبارات أبياتها ، وأعنى به : "أعِراقُ إنك فى الفؤاد متوج ...وعلى اللسان " أعِراقُ إنّك فى الفؤاد شعر منسوب إلى : صدام حسين ما كنت أرجو أن أكون مداهناً ***بعض القطيع وسادةَ السفهاءِ من قال إن الغرب يأتي قاصدا***ًارض العروبة خالص السراءِ؟ من قال إن الماء يسكر عاقلاً***والعلج يحفظ عورة العذراءِ؟ من قال إن الظلم يرفع هامةً ***ويجرّ فى الأصفاد كل فدائي؟ (من كبل الليث يكون مسيداً ***حتي وإن عد من اللقطاءِ) اني أحذركم ضياع حضارةٍ *** وكرامةٍ،...... وخديعة العملاء هذا إبائى صامد لن ينحني ***ويسير فى جسمي دم العظماء أعراق، إنك في الفؤاد متوج ***وعلى اللسان قصيدة الشعراءِ أعراق، هز البأس سيفك فاستقم ***واجمع صفوفك دونما شحناءِ بلغ سلامي للطفولة بعثرت ***ألعابها بين الركام بتهمة البغضاء بلغ سلامي للحرائر مُزقت ***أستارها في غفلة الرقباء بلغ سلامي للمقاوم يرتدي ***ثوب المنون وحلة الشهداء (بلغ سلامي للشهيدين وقل ***فخري بكما فى الناس كالخنساءِ) ارض العراق عزيزة لا تنحني ***والنار تحرق هجمة الغرباء يحيا العراق بكل شبر صامدا ***يحيا العراق بنخوة الشرفاء والآن ، فإن أى متأمل للقصيدة ممن لديهم إلمام بالحد الأدنى من العروض العربى، سوف يتبين له بسهولة شديدة، أن جميع أبياتها (فيما عدا البيتين اللذين وضعناهما بين قوسين) سوف يتبين له أنها مستقيمة الوزن وأنها تجرى على تفعيلة الكامل : " متفاعلن " والتى يمكن لها أن تتحور بسهولة إلى تفعيلة الرجز: "مستفعلن "، وكلاهما تفعيلتان سهلتان يشيع استخدامهما لدى المبتدئين فى كتابة الشعر ولا يفلت زمامهما إلا ممن كان مستواه دون مستوى المبتدئ، فإذا نظرنا إلى البيتين الموضوعين بين قوسين وجدنا أنهما كلاهما ركيكان من حيث المعنى ومن حيث الصياغة ، وقد أفلتت منهما متفاعلن ومستفعلن إفلاتا تاما ، أما البيت الأول منهما: "من كبل الليث " ، فهو امتداح لصدام حسين وتشبيه له بالليث الذى كبله اللقطاء وأصبحوا عليه أسيادا، أما البيت الثانى فهو امتداح لنجليه الشهيدين اللذين يفخر بهما فخر الخنساء كما يقول !!، والسؤال الآن ، لماذا أفلتت التفعيلة من هذين البيتين وحدهما ، فجاءا على هذا القدر من الركاكة؟ ، والتفسير الوحيد المعقول فيما أعتقد هو أن هذين البيتين وحدهما من تأليف صدام حسين وقد أضيفا إلى القصيدة فى وقت لاحق لكتابتها، وأما بقية القصيدة فهى من تأليف شاعر آخر ردىء ، ولكن ليس إلى هذا الحد!!!. وتبقى بعد ذلك ملاحظة هامة لا بد أنها قد خطرت بأذهان البعض ولوعلى هيئة تساؤل لا يستطيع المرء أن يفلت منه، ألا وهو: هل من اللائق أن نتعرض الآن للرد على الإدعاء الكاذب لصدام حسين بأنه يكتب الشعر، ( وهو ادعاء كاذب حتى بالمفهوم الساذج للشعر وهو أن الشعر محض وزن وقافية ) ، هل من اللائق أن نتعرض لادعائه الكاذب هذا، بينما هو الآن أسير فى قبضة أولئك الذين لا نشك لحظة واحدة فى أنهم أعداؤنا ، ونعنى بهم عصابة بوش وتشينى ورامسفيلد وغيرهم من رموز العنصريين السفاحيين المعروفين بالمحافظين الجدد، وجوابنا على ذلك هوأن أمثال هؤلاء العنصريين السفاحين، إن كانوا أعداءنا القادمين من الخارج ، فإن أمثال صدام حسين هم الذين مكنوا بطغيانهم وحماقاتهم لأعدائنا أن يفعلوا بنا وبهم أيضا ما فعلوه ، ومن ناحية ثانية فإنه إذا لم يكن وقوع صدام حسين فى الأسر هو الفرصة المناسبة لكى يراجع أكاذيبه ولكى يكف عن ادعاءاته التى لاتنطلى على أحد ، (مرة بأنه ملهم ، وأخرى بأنه شاعر...، وثالثة بأنه أديب روائى ..الخ) ، إذا لم تكن هذه هى المناسبة لكى يراجع نفسه ، فمتى سوف يراجعها إذن ؟؟ هذا إذا كان هو وأمثاله من حكامنا ، إذا كانوا ممن يمتلكون القدرة أصلا على مراجعة النفس !!