ابتداء ولمزيد من التأكيد فإن كل ما حصل في مركز "مطاي" ومحافظة المنيا وعموم مصر عقب فض "رابعة" و"النهضة" من حرق ودمار وقتل وشغب وعنف وإرهاب وترويع هو مدان، ومن فعلوا ذلك يستحقون العقاب وفق القانون والعدالة النزيهة، مثلما أن ما حصل خلال عملية الفض الدموية مدان أيضا ويستحق التقصي النزيه للحقائق وتقديم المتهمين للعدالة وعقاب كل من أراق دم المصريين المسالمين. أما قرار محكمة جنايات المنيا بإحالة أوراق 529 متهما من الإخوان وأنصارهم للمفتي، وهو ما يعني أن حكم الإعدام وقر في يقين هيئة المحكمة وهي واحدة من قضايا عديدة من تداعيات فض "رابعة" و"النهضة" فإنني أقول إنه لو أنفق الإخوان في يوم واحد مليار جنيه على إعلانات دعائية في الإعلام العالمي للترويج بأنهم يتعرضون للمظالم لكسب التعاطف والدعم المعنوي والسياسي ما حصلوا على النتيجة التي حققها لهم هذا الحكم ودون أن ينفقوا جنيها واحدا. لم أجد العالم دولا ومنظمات حقوقية والأمم المتحدة ووسائل الإعلام متفقون على شيء في الأزمة المصرية في الفترة الاخيرة قدر اتفاقهم على الاندهاش والاستغراب والتنديد بهذا الحكم. كما لم أجد اتفاقا داخليا بين الإخوان وأعدى أعدائهم قدر اتفاقهم على صدمة هذا الحكم. كسب الإخوان تعاطفا واسعا وحصلوا على قبلة جديدة للحياة وأكدوا لأنصارهم وللمتعاطفين معهم داخليا وخارجيا أنهم مستهدفون لاجتثاثهم من جذورهم وأن القضية أكبر من عزل رئيس ومنظومة حكم إخوانية لم تكمل عاما واحدا، بل هم المستهدفون كتيار له تاريخ وجذور. استفاد الإخوان من الحكم ليؤكدوا المظلومية التاريخية التي يعيشونها، وهم يتنفسون منها، ويحيون على تفاصيلها وقصصها ،استثمروا شعار المظلومية خلال الملكية، وفي عصر الجمهورية مع عبد الناصر والسادات ومبارك، واليوم بعد ثورة يناير وتحولهم من المعارضة والعمل السري ووصولهم للسلطة ثم خروجهم منها فإنهم يواصلون رفع شعار المظلومية، ويجيئ مثل هذا الحكم لمواصلة ترويج الأسطورة. أحد قادة الجمعية الوطنية للتغيير كان مغرقا في السخرية عندما اعتبر أن القاضي الذي أصدر الحكم إخوانيا، وهو ليس من الإخوان بالطبع، لكنه أراد القول أنه قدم خدمة عظيمة للإخوان بحكم غريب وغير مسبوق لجلب التعاطف معهم ومنحهم رئة جديدة يتنفسون منها وهم في مواجهة مع السلطة وقطاعات من المجتمع. قبل هذا الحكم كتبت ستة مقالات متتالية انتقد فيها وصول الإخوان لحائط شبه مسدود في تحركاتهم بعد 3 يوليو التي اختلطت فيها السلمية بالعنف والإرهاب والدم سواء منهم مباشرة، أو من أطراف عنيفة متحالفة معهم، أو ممن ينتهزون الفرصة ويضربون، وأن هذا المسار لن يقود إلى نتيجة لهم، ولا للوطن سوى مزيد من الخسائر والاستنزاف وخروجهم من المشهد السياسي والاجتماعي لفترة قادمة، لكن يأتي ذلك الحكم ليهدم الأساس الذي نبني عليه، ويكشف أنه إذا كانت السلطة السياسية من جانبها ترتكب أخطاء غير مبررة في ملف الحريات وحقوق الإنسان وظهور مؤشرات على عودة القبضة الحديدية فإن السلطة القضائية يُفترض أن تكون مستقلة قولا وفعلا وبعيدة تماما عن أي مؤثرات أو تجاذبات أو تحزبات سياسية وأي مواقف مسبقة وأي حزازات شخصية أو عامة لأنها الحصن الأخير للمواطن الذي يقف أمامها لتنصفه بغض النظر عن أي انتماء سياسي أو فكري له وحتى لو كان متهما بالإرهاب فلابد أن يحصل على عدالة حقيقية فقد يثبت أنه برئ. خطورة الحكم أنه بقدر تشويشه على النظام الحاكم والتقاطه من البعض لتفسيره من زاوية أن لها أهدافا إقصائية لتيار معين، فإنه يشوش ويشوه صورة العدالة واستقلاليتها ونزاهتها، وهذا ما يجب تلافيه وتصحيحه فورا، فالعدالة الناجزة مطلوبة، لكن بشروط أن تكون ملتزمة بالمعايير الدولية، وبتاريخ القضاء المصري المشرف. سيتم نقض الحكم، وكل الآراء تتفق على أنه ستُعاد المحاكمة لمبررات عديدة قانونية وإجرائية، لكن الأثر سيبقى وسيسجل في ثوب القضاء أنه في يوم ما صدر هذا الحكم ، أي لن ينمحي أبدا حتى لو تغير المنطوق، أو تم نقضه، أو لو خرج المتهمون جميعا براءة. كتبت ذات مرة أن القضاء هو الحصن الأخير لنا، وكان مغزى المقال أنه يمكن أن نتعرض للظلم والتنكيل من الشرطة مثلا، أو من أي من مؤسسات الدولة، وسنتحمل لأننا ندرك أنه بمجرد ذهابنا إلى القضاء سيتم إنصافنا فورا، فهل بعد ذلك الحكم وأحكام سابقة بدت غريبة وصادمة أيضا، هل سيظل لدينا شعور الاطمئنان بالإنصاف والعدالة، أم هو القلق؟!. وفي هذا السياق هل ما قاله وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضي من أن مصر ماضية بكل قوة في بناء دولة ديمقراطية حديثة ترضي جميع المصريين وتلبي مطالبهم وتطلعاتهم نحو المستقبل سيجد صدى لدى المؤمنين بالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والقضاء المستقل النزيه في ظل كل ما يحدث من أوضاع تتنافى مع ما يشعر به، أو مع ما يتمناه ؟!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.