استمعت إليه وهو يغني لشهداء 25 يناير...فلم يقتنع به عقلي، ولم تُصدقه أذناي. فذلك المطرب العربي المغمور – الذي كان يغني يوماً للرئيس المخلوع، والذي كان يحيي يوماً عرس ابن الرئيس المخلوع، طالباً الود والقرب – يخرج علينا فجأة بأغنيته "الفذة" عن الشهداء الذين دفعوا حياتهم ودماءهم في وجه ذلك الرئيس المخلوع وابنه. ذلك المطرب العربي المغمور – الذي تربع على عرش الغناء الشبابي العربي طيلة عقدين، مُقدماً للشباب كل ما يدغدغ مشاعرهم ويشوه وجدانهم، وكل ما يسلبهم عقولهم ليعيشوا في الوهم والزيف – ذلك المطرب يطل علينا فجأة بأغنيةٍ عن شهداء التحرير على الرغم من أنه لم يتواجد أبداً في ميدان التحرير. ألم يفطن هذا المطرب وأمثاله من النجوم – الذين لم يعودوا نجوماً – أن زمانهم قد ولى؟ وأن أصواتهم قد صدأت منذ اندلاع ثورة 25 يناير؟ أم يريدون أن يأخذوا زمانهم وزمان غيرهم؟ أم أن أحرار ميدان التحرير سينسون أو يتناسون مواقفهم السلبية المخزية في لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة، يُمَحَص فيها البشر، ليتبين الغث من السمين، والطيب من الخبيث؟ ولعل نجوم الكرة قد نالهم ما نال نجوم الطرب من "الصدأ". وأكبر دليل على ذلك، مرور مباراة مصر وجنوب إفريقيا – منذ عدة أيام – مرور الكرام. تلك المباريات التي كانت تتربع على رأس قائمة الأحداث الوطنية والقومية – والتي كانت أحداثها لا تخلو منها صحيفة أو مجلة أو قناة تليفزيونية – أضحت اليوم على الهامش، بل لا ترقى حتى لتكون على الهامش. فكما ولى الكثير من نجوم الطرب والكرة وجوههم عن أحرار ميدان التحرير، مؤثرين السكوت والاختفاء، ولى أحرار ميدان التحرير وجوههم عنهم ليصيروا طي صفحة النسيان...فالجزاء من جنس العمل. تُرى هل كانت أيام الثورة بميدان التحرير – 18 يوماً – كفيلة بإنضاج وعي هذا الشعب الذي لم يعد يتقبل أي فن لا يعبر عن ثورته وملحمته الرائعة؟ هل كانت تلك الأيام كفيلةً بإزاحة الفساد والعفن عن قلوب وعقول المصريين حتى تتفتح وترى النور في كل شيء من حولها، فتنفر من كل رخيصٍ ودنيءِ ومُسِف؟ أعتقد أن سقوط النظام المستبد قد أسقط معه أدواته التي كان يستخدمها لإغماض أعين الشعب عن حقيقة استبداده اللعين والملعون. وكانت الأغاني ومباريات كرة القدم من أهم تلك الأدوات التي كانت "تدندن" بزخرف القول – ليلاً ونهاراً – لإلهاء القلوب والعقول عما هو صالح لدنياها وآخرتها، وإبعادها عن المعرفة والثقافة والفطرة والحكمة. لقد آن الأوان لكي نطهر حياتنا الثقافية من نجوم النظام البائد المستبد، فنحل محلها نجوم النظام الجديد. نجوم نموذج ميدان التحرير الذين يدركون ويعرفون ويؤمنون بأن الفن هو رسالة لارتقاء الوجدان والعقل والروح في مدارج السمو الإنساني. ولعل أغنية "يا بلادي يا بلادي أنا بحبك يا بلادي..قولوا لأمي ما تزعليش وحياتي عندك ما تعيطيش" للمطرب المصري الواعد "عزيز الشافعي" تمثل خطوةً على الطريق. فلم أجد مصرياً إلا وقد تعاطف روحياً وقلبياً وعقلياً مع تلك الكلمات النبيلة الراقية، لدرجة أنها أصبحت النغمة المفضلة على المحمول لدى عدد غير قليل من المصريين. فوداعاً لتامر وعمرو ونانسي وإليسا وهيفاء... بصراحة، لم نعد بحاجة إليكم!! ولم تعودوا ممثلين لأهدافنا وطموحاتنا وآمالنا؟