سبعٌ عِجافٌ وحِبالُ الوصلِ مقطوعة، وأبوابُ الودِّ موصدةٌ شجراتُ البعدِ تحنظلتْ، وأثمرتْ، والبينُ أحتسي مرارته وُيقرحُ الهجر قلبي، والبؤسُ يقبلُ علىَّ حاسراً وجههُ لا يستحْيى مني ولا يعتذرْ ويوشك ميزانُ الإرادةِ داخلي أن ينكسر، وأسئلة حيرى ودوامة تضيقُ ولا تنفرجُ وأجرجر أقدامى في تثاقلٍ وذهولٍ. وصرتُ كمريضٍ من غير مرضٍ، أو كدرهمٍ زائفٍ لا يقبله الناس ورغم ذلك، أزيدُ وأتيه بها كلفاً وشوقاً وقلبي من الأسى عليها يكادُ ينسحقُ وأتمنى أن أستخرجَ من أعماقي عشقّاً كامناً فقد غرس الهجر أنيابه في أركان وجداني ولمّا كنتُ معصورَ القلبِ، حزينَ الفؤادِ ، مكدر المزاج وبدا كلُّ شيءٍ كالحاً،حملتُ حقيبتي وذكرياتي واتخذتُ من السفر مطيةً، علني أنجو مما يلاحقُ فكري وبجوار نافذة القطار أسكنتُ بدني تحتضنُ أناملي ستارتها مداعبة، وأغرسُ في كبد السماء عيني متمنياً أنْ اُقْذَفَ وحقيبتي حيث لا يُراني ، فلعل السلوَ ينجيني ... وليتَ البعدَ يُنسيني وعلى غير وعد... ودون سابقِ موعدِ وقبل أن ينغرسَ عقربُ ساعتي ب رأس السادسة.. ليعلنَ مولدَ رحلة قطاري سمعتُ صوتاً من صوبٍ جاءتْ ترفلُ في سواد عباءتها، وتكومتْ في زاويةِ المقعد استوثقتْ من جِلستها قبالتي، ونامتْ حقيبة أشيائها على ركبتيها ترقبُ خفق قلبها المتلاحق تتورعُ خواطرها ... وتخشعُ أفكارها ولسانُ حالها يقولُ للجميعٍ: صهٍ، أو سبحوا ... وبالجمال تيمموا إنها " ليلى" وأجزم أني بها لمجنون، فكم نقشتْ اسمها في دفاتري، وبين المقل أتراهُ القدر؟ يطَّرزُ لي سويعاتٍ قربٍ مرجوة هالها منظري وأدركتْ أن زواجها دقَّني دقَّ الرحى لما تدورُ عليه وخيم علينا سكونُ قاعاتِ الموتى للحظات جلست قبالتي كجبلٍ لا يتزعزع، لكن على محياها اصفرار الهوى وحين تلاقتْ عينانا، سفكَ وجهها دم الخجل وزكا عبيرها أنوفَ الحاضرين، ف كستْ المكانَ طهرَ حباتِ الندى فقد أوتيتْ من الحسن أعجبه، ومن الطيبةِ مداها وكانتْ فطرتها تفوق حسنها حسناً فهي بين العطر مسكٌّ، وبين الزهر ياسمينة وجاءتْ بوصلٍ حينَ لا ينفعُ الوصلُ وكنتُ قبالتها كعودِ حشيشٍ، تحركه أدنى ريح واستيقظ الماضي الملتصقُ ب نياطِ الفؤاد وانبجس صديدُ الذكرياتِ واشتعل الجوى المخبأ ب دثار القلبِ وهزني وجدٌ لا طاقة ل صدرٍ به وشوقي يهفو من تحتِ غشاء الحياء، وما توقع كلانا الذي وقع وراحتْ بطرف العين ترنو، كمن يلوكُ علكته بتؤدة وب بسمةِ ثغر تقطر شهداً أومأتْ هذا انتمائي إليك، على البعد أعلنهُ وكان طولُ الدربِ رجاءً يظلني، وأستشعرُ قيامة مؤجلة حين ينقطعُ ورحتُ أتابع كي لا يطيشُ لنظراتها سهمٌ، ولا يسقطُ لحركةٍ منها فهمٌ وهربتُ من نظرتها بإطراقة ملجومة بحياء، وتزاحمتْ الأسئلة حيرى في رأسينا وتراقص القلق على وجهينا، واشتد خفقان نبض الهوى وهزَّ الوجد منا أفنان القلوب، وبعثنا شِكاية الهجر وبين قلبٍ يئنُّ، وصدر يتنهد وحلمٍ شجيٌّ يسبح في خيالي، وثمرة شهية مغموسة بمعصية دوى في أعماقي صوتٌ يقولُ: هذا ليس لي، هذا لا ينبغي لي فانا دوماً، أحذرُ خطواتِ الخطايا ووقعها وأهربُ من بثِّ الأماني بالمنايا ويتوقف قطاري، وأفتح جفني على مهلٍ فأفيقُ على حلم جميل كنتُ أشتهيه وأطلقتْ عيني دمعة وقعت أرضاً فتكسرتْ وعدتُ أدراجي على ذات القطار ونفس المقعد أخوض في دمعي، وأتوكأ على مِنسأة الذكريات وعلمتُ أني.... ما لي عن هواها فطام. .....