جاء محمد على إلى مصر قائداً في الكتيبة الألبانية التي أرسلها السلطان العثماني عام 1801 لتحرير مصر من الغزو الفرنسي .غادرت الحملة الفرنسية مصر وبقى محمد علي وجنوده. كانت مصر تموج صراعاً بين المماليك الذين أرادوا استعادة الحكم والسلطة، والعثمانيين الذين حاولوا التخلص من نفوذ المماليك واستعادة السلطة، والانجليز الذين تنبهوا إلى أهمية موقع مصر، والحركة الشعبية التي تشكلت وقت الحملة الفرنسية. ولما جاءت حملة فريزر عام 1805 كان المصريون في مقدمة المقاومة بقيادة عمر مكرم، وأخذ محمد علي جانب الشعب... انهزم الإنجليز وانسحبوا، ليبرز نجم كل من عمر مكرم ومحمد علي ... أراد الناس محمد علي والياً فتمنع في البداية (يبدو أن حكاية التمنع في مصر قديمة!) ثم وافق، وقبل الباب العالي ولايته، وعاهد محمد علي المشايخ والأعيان على ألا يقطع أمرا إلا بمشورتهم، وأن يحسن السيرة فيهم... صار محمد علي عزيز مصر وواليها، وبقى أمامه خصمان: المشايخ الثوار، والمماليك. أما المشايخ فخضعوا إما بالذهب أو بالسيف، وتم نفي عمر مكرم إلى دمياط، وتخلى عنه زملاؤه الذين وصفهم الجبرتي "بشيوخ الوقت" لأنهم أاخذوا جانب السلطة وبريق الدنيا (حقيقى مصر ولادة!)، وأما المماليك فقد جرب محمد علي ذهب المعز معهم فلم يفلح، فقرر أنه لا سبيل إلا السيف... لكنه لم يستخدم الحرب، بل الخدعة! جاء مارس من عام 1811، وقرر محمد علي إرسال جيشه بقيادة ابنه طوسون باشا (18 عاما) إلى نجد لقمع الوهابيين، فأرسل محمد علي للمماليك يدعوهم إلى احتفال كبير في القلعة لتوديع الجيش، ولبى المماليك الدعوة... وبعد الوليمة خرجوا للسير مع الجيش، ولما وصلوا إلى درب ضيق أغلق الباب وانهال الرصاص عليهم، ومن لم يمت بالرصاص ذبح.. قتل حوالي 500 مملوك، وصبغت الأرض باللون الأحمر (عرفت الآن من أين جاء "الدرب الأحمر"؟)، ولم ينج إلا مملوك واحد من تلك المذبحة فر إلى الصعيد. أما من لم يذهب منهم إلى الحفل فقد قتل في بيته وسلب ماله وداره... كانت مذبحة راح فيها ما يقرب من 1500 نفس... لينفرد محمد علي بحكم مصر التي قال إنه لا يرغب في حكمها في البداية! صار حكم مصر لمحمد علي ولأولاده من بعده، وقطع دابر المماليك من مصر تماماً بعد أن حكموها سنين طويلة... ذهبوا بليل وانتهوا كما انتهى البرامكة... قتلوا اغتيالاً ولم يقل أحد عن محمد علي إنه خائن أو قاتل... كانت مذبحة غيرت وجه السياسة في مصر إلى الأبد، وأنهت المماليك للأبد. لكن مذبحة "كربلاء" لم تأت بنفس النتيجة، وإن كانت بنفس الشمول في الإبادة... تولى يزيد بن معاوية الخلافة، فاعترض الحسين وخرج بأهله وقرابته من مكة قاصداً شيعته في العراق، وعند كربلاء حاصره جيش الأمويين بقيادة عمر بن سعد ... حصلت المواجهة بين جيش الحسين الذي ضم 72 رجلاً، وجيش بن سعد المؤلف من ثلاثين ألفا، ولك أن تتخيل ما حدث، بالطبع سحق جيش الحسين عن آخره، لم يبق من معسكر الحسين إلا النساء وطفله المريض "علي زين العابدين"... راح الحسين وجل من كانوا معه، لكن دعوته للخروج على الظلم لم تمت... كسب الأمويون اللحظة لكنه خسروا كل التاريخ، فأين هم الآن؟ أما دعوة الحسين فبقيت في التاريخ، ومازال ذكره يملأ الدنيا. قضت مذبحة القلعة على المماليك لأنهم تفانوا في سبيل السلطة والثروة، لم تكن لهم دعوة أو وجود شعبي، كانوا نخبة تملك وتحكم، فلما سقطوا انقطع ذكرهم... أما الحسين فقد غادر الدنيا ولم يغادر العقول والقلوب، انتشرت دعوته ولم ينقطع شيعته... قتلوا الجسد، ولكن متى قتل السيف فكرة؟ بقى أن تعلم أن طوسون باشا عاد من الحجاز منتصراً بعد أربع سنوات من المذبحة، فأعد محمد علي الاحتفالات بالجيش والنصر، لكن أصيب طوسون بالطاعون، ومات في ليلته... ربما استطعت أن تقتل كل من عارضك، لكن هل تستطيع أن تقتل الموت؟