هل سيكون في الإمكان تقديم الرئيس السابق محمد حسني مبارك إلى محكمة لملاحقته في قضايا فساد سياسية ومالية خاصة به وبأفراد عائلته..؟ إن البعض يتحدث عن صعوبة ذلك في ظل وجود ضغوط عربية وخاصة من دول الخليج على مصر لمنع محاكمة الرئيس مبارك أو إهانته أو ملاحقته.. وتقول تقارير صحفية في هذا الشأن إن هذه الدول هددت بتجميد العلاقات مع القاهرة ووقف أية مساعدات لها بل ووصل الأمر إلى حد التلويح بالاستغناء عن العمالة المصرية في هذه الدول إذا ما تمت محاكمة الرئيس السابق الذي يقولون عنه أنه كانت له العديد من الإنجازات والمواقف الايجابية وخاصة في الأزمات التي مرت على منطقة الخليج ومنها حرب تحرير الكويت.. وأيما كانت صحة هذه التقارير فإنها تزيد من صعوبة المطالبة بمحاكمة الرئيس حيث يقول بعض من يعارضون محاكمته أن الخروج الآمن بهذا الشكل سيعني سلاسة انتقال السلطة لاحقا ويؤدي أيضا إلى عدم تعريض مصر لهزات أمنية جديدة ويدعم الاستقرار فيها.. والواقع أننا نتمنى فعلا ألا تكون هناك محاكمة للرئيس السابق، وأن يبقى أي رئيس آخر يخرج من الحكم مستقبلا مواطنا ذا مكانة خاصة في المجتمع له كل التقدير والإحترام ويتمتع بالإمتيازات المناسبة لرئيس كرس وقته لخدمة شعب وتحمل مسئولية أعباء المهنة. ولكن هذا لا يعني ألا تكون هناك عدالة تقتص من المخطئ حتى لو كان رئيسا وإلا فإننا بذلك ندعم ونطمئن أي رئيس قادم بأن عليه في سنوات حكمه أن يفعل ما يريد لأن أحدا لن يجرؤ على محاكمته ولأن هناك من سيتدخل لمساندته. فلا أحد يجب أن يكون فوق القانون، والفساد السياسي قد يكون أخطر وأشد ضررا على المجتمع من الفساد المالي والوظيفي، والذين أساءوا إلى مصر سياسيا واختطفوا عنوة وقهرا قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقاموا بتزوير وتطويعه لخدمة مصالحهم الشخصية يجب أن تتم محاكمتهم لكي لا يتكرر ذلك مستقبلا ولكي نعمل ونعيش في مناخ من المصارحة والشفافية بعيدا عن الوصاية والهيمنة على قرار الشعب ومصيره. ولماذا التخوف من محاكمة الرئيس السابق إذا كان بريئا، وإذا كان ما قام به وما أصدر من قرارات قائما على النوايا الحسنة والمصلحة الوطنية كما يقال؟.. إن القضاء العادل في مصر سيقول كلمته في ذلك، وإن قال لنا أن الرئيس مبارك لم يخطئ في حق الشعب، فسوف نحترم كلمة القضاء وسيكون في مقدور مبارك وأسرته العودة إلى الحياة العامة، وربما كان في مقدور ابنه علاء مبارك أن يعود أيضا إلى الحياة السياسية كما ترشحه بعض التقارير وأن يكون له دوره في صناعة المستقبل أما ابنه جمال مبارك فحتى لو كان والده بريئا فإنه لا مكان له في الساحة السياسية المصرية لأنه منذ بداية ظهوره على المسرح السياسي كان مرفوضا شعبيا وعلى كل المستويات، ولم يكن يتمتع بأي درجة من درجات القبول الشعبي..! وقد يكون من صالح الرئيس السابق حسني مبارك لو أنه هو نفسه الذي سارع بتقديم طلب للتحقيق معه وإبراء ساحته، فذلك قد يكون علامة على تأكيده من عدم إرتكابه لتجاوزات في حق الوطن، ولكنه بالتأكيد لن يسعى لذلك لأن كل ما كان يحدث قبل ثورة 25 يناير يحمل الكثير من الإثباتات والشواهد التي تدين الرئيس السابق والنظام كله والتي تؤكد أن مبارك هو أيضا المسئول الأول عن قتل 365 شهيدا وإصابة نحو خمسة آلاف متظاهر..! ويستحق الرئيس مبارك أيضا المحاكمة لأنه لم يستمع لكل دعوات الإصلاح التي ناشدته أن يبدأ التغيير والتطهير قبل الثورة ولأنه كان في مقدوره أن يتخلص من كل مراكز القوى التي أفسدت الحياة السياسية والإجتماعية في مصر، ولأنه كان مدمنا للعناد في إصراره على الإستهانة بصوت المعارضة وفي عدم الإستماع لصوت الشعب ورغباته..! إن محاكمة حسني مبارك هي محاكمة لعصر..، عصر إنتهى يوم 25 يناير، لنشهد بعده بداية عصر جديد تدون معالمه وملامحه منذ التاسع عشر من مارس الجاري عندما توجه ملايين المصريين إلى صناديق الإستفتاء بعد أن شعروا أن البلد أصبحت فعلا بلدنا وليست عزبة مبارك وأتباعه..! [email protected]