عندما ضاقت حلقات حصار ثورة الشعب الليبي على العقيد القذافي وارتكب مجازره ضد المدنيين فغضب العالم ووجد نفسه أمام حرج أخلاقي دعاه لاتخاذ إجراءات عقابية مالية ضد نظام القذافي وأولاده الذين وزع عليهم السلطة والثروة والسلاح ، انطلق على سجيته يعترف أمام الشاشات بتاريخه في العمالة للغرب وحتى لإسرائيل وهو يقول لهم : كيف نسيتم كل خدماتي وتعاوني ، القذافي لم يجد أي حرج أن يتحدث للإعلام الأمريكي ليقول لهم أن الثوار إذا انتصروا على نظامي فسوف يكون هذا تهديدا لإسرائيل!! . هذه لحظات نادرة ، يعترف فيها رئيس عربي بعمالته الصريحة لإسرائيل ومخططاتها ومصالحها وأمنها في المنطقة ، كما يعترف بأنه مجرد عميل أمريكي يقوم بالدور المطلوب منه لحماية شمال المتوسط وصناعة العازل الطبيعي بين الشرق العربي وغربه ويقوم بدور مخلب القط في الأعمال الاستخباراتية القذرة ، كما حدث عندما أرسل للموساد كافة البيانات السرية للشهيد "فتحي الشقاقي" زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ، حيث كان يتحرك باسم مستعار ، مما مكن الموساد من اصطياده بسهولة شديدة في مالطا وهو عائد من ضيافة القذافي الكريمة ، وقد أعلنت حركة الجهاد مؤخرا اتهامها العلني والصريح للقذافي بالتعاون مع الموساد في اغتياله ، وكان كثيرون يعرفون ذلك قبل سنوات من الأحاديث الجانبية التي لا تخرج للعلن لاعتبارات خاصة ، وأخيرا تحدث رفاقه علانية . ويبدو أن تذكير القذافي للأمريكيين بخدماته السابقة واستعداداته لتحقيق المزيد منها لهم وللإسرائيليين جعلهم يتراجعون عن فكرة مساعدة الشعب الليبي على التصدي لجرائمه وإنقاذه من مذابحه ، فتتمسح أمريكا وحلفاؤها في العرب وجامعتهم بأنه لا بد من أن يوافقوا على ذلك ويكون هناك غطاء عربي لوقف طائرات القذافي عن قتل المدنيين ، وعندما وافقت الجامعة العربية قالوا أن الأمر معقد ويصعب تحقيقه ، في إشارة واضحة للقذافي لكي يواصل ذبح شعبه وإبادة أي صوت معارض له في ليبيا ، مكتفين بالشعارات اللطيفة والحنجورية عن مطالبتهم للقذافي بالرحيل اليوم قبل غد ، وهو نداء شاعري بالطبع طالما أن السلاح بيده وطيرانه يتفسح يوميا فوق المدنيين يقصف كما يحلو له ويبيد كما يشتهي ويتسلى على صيد البشر والنساء والأطفال بطيرانه فوق شوارع المدن الليبية كما يصطادون الغزلان في البراري . حتى السلاح ضنوا على الشعب الليبي أن يمنحوه شيئا منه لكي يدافع عن نفسه ويوقف الذبح أو حتى يعطله ، بينما تركوا السوريين والجزائريين يمطرونه بشحنات السلاح وبالطيارين إضافة إلى الدفاع عن جرائمه بكل برود أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب ، والحقيقة أني مندهش من موقف مصر من هذا الذي يجري في خاصرتها ، وإذا كان الأوربيون والإسرائيليون يتعاملون مع الحدث الليبي من منطق معايير العمق الاستراتيجي لأمنهم ومصالحهم ، فهل أدركت مصر أن هذا السفاح وعصابة أولاده سيمثلون ظهر مصر ويحققون لها العمق الاستراتيجي لأمنها القومي ومصالحها المختلفة ، بما فيها مصالحها الاقتصادية ، أم أن هذا السفاح المختل نفسيا سيكون شوكة في خاصرة مصر وتهديدا واستنزافا دائما لأمنها السياسي والاقتصادي وغيره ، إذا نجح لا قدر الله في سحق ثورة شعبه . والحقيقة أن حديثي عن القذافي كمختل نفسيا ليس من باب الهجاء ، وإنما الحقيقة التي تعرفها الأجهزة المصرية من قديم ، وكان الفريق كمال حسن علي رئيس جهاز المخابرات المصرية الأسبق ورئيس الوزراء فيما بعد قد قال في حوار صحفي شهير بأن القذافي كان يعالج في مطلع السبعينات في مصر في مصحة للأمراض النفسية والعصبية ، كما كان هناك طبيب نمساوي يشرف على علاجه . أخشى أن يكون الموقف الغربي المخزي الآن قد أرسل رسالة شديدة السلبية والخطورة إلى شعوب العالم الثالث وقواه المختلفة بأنك إذا استطعت أن تقتل الأبرياء أو تساعد على قتلهم أينما كانوا فافعل طالما أن مصالحك تقتضي ذلك. [email protected]