لا أبالغ اذا قلت أن دور الجيش في ثورة 25 يناير لا يقل روعة و لا ابداعا عن دوره في حرب أكتوبر الخالدة، حرب أكتوبر كانت ضرورية لعودة الروح و الثقة بالنفس بعد كارثة يونيو المهينة أما ثورة يناير فقد أعادت مصر لملايين المصريين بعد أن كانت تعمل في خدمة شخص واحد هو جمال مبارك!!! ليس أدل علي حاجة مصر الماسة لثورة يناير مما أوردته وثائق أمن الدولة من تأمر جمال مع حبيبه العادلي علي تفجيرات بمنتجعات حسين سالم في شرم الشيخ و قتل عشرات السائحين الأبرياء و ترويع أمن مصر و اقتصادها لمجرد أن جمال اختلف مع سالم في نسبة عمولته في تصدير الغاز (المصري) لاسرائيل !!! لم تكن لدي معلومات كافية عن قادة الجيش و لكني توقعت أن مبارك يختارهم من الموالين له تماما باعتبار أنه لا يطيق العمل مع الشخصيات القوية أو المبدعة أو الوطنية المستقلة، و لذا فقد فوجئت بما فعله قادة الجيش أثناء الثورة وما بعدها حتي الأن، و أرجو أن يغفروا لي سوء ظني الناجم عن جهلي بأشخاصهم الوطنية الفريدة. رفض الجيش التصدي لثورة الشعب أو استعمال القوة لتوقيفهم، بل انه كان ينظم دخول المتظاهرين لميدان التحرير في المظاهرات الكثيفة، و في نفس الوقت يحمي المنشأت بدباباته و يحمي المتظاهرين من البلطجية، ثم استخدم المشير مكانته عند مبارك لاقناعه بالرحيل، ثم تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في البلاد في وضع استثنائي و لكنه أدار البلاد بحكمة و تعقل شديدين مع التأكيد علي احترام مكتسبات الثورة و التأكيد علي مدنية نظام الحكم القادم و الحرص علي العدالة و الحرية و الديموقراطية و محاربة الفساد. كم كان رائعا أن يعلن الجيش أنه ليس له مرشح في الانتخابات الرئاسية القادمة في انكار للذات منقطع النظير!!!، بل أسند تعديل الدستور لفقهاء دستور وطنيين و ليس لترزية القوانين الذين يفصلون الدستور علي مقاس السلطان و ابنائه !!!. كما أطلق سراح العديد من المعتقلين السياسيين ومنهم خيرت الشاطر و حسن مالك من الأخوان الذين سجنوا بمحاكمة عسكرية ظالمة و كذا عبود و طارق الزمر من قادة الجهاد مما أحدث فرحة كبيرة في الأوساط السياسية و الدينية . من المنطقي أن نظن أن مبارك لم يغادر القصر حتي أخذ علي المشير العهد ألا يلاحقه قضائيا و أن يبقي علي تلميذه شفيق علي رأس السلطة التنفيذية، و لكن الجيش فضل المصلحة القومية علي مصلحة الرئيس المخلوع و استجاب لطلبات الشعب بعزل شفيق و اسناد رئاسة الحكومة لأحد المتظاهرين ممن طلبه الشعب و له خبرة بالعمل التنفيذي وهو الدكتور عصام شرف، و أجاز للنائب العام التحفظ علي أموال أسرة مبارك و منعهم من السفر و ربما البدء في مسائلتهم قانونيا، و بقي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ممثلا للشخصية المصرية دوليا مع وقوفه مع الحكومة في مواجهة التحديات المتتالية من البلطجة و الغياب الأمني والفتنة الطائفية و المطالب الفئوية و استئصال الفساد من كل أجهزة الدولة. المشكلة الأساسية التي تواجه الجيش الأن هي ثورية الشعور الوطني و راديكالية الطموح وخوف المصريين من العودة للوراء حتي أن بعض الوطنيين يرفضون التعديلات الدستورية التي كانت تفوق سقف أحلام المصريين جميعا قبل شهرين فقط !!!!، فالجميع يريد تحقيق كل شئ في التو و اللحظة، و الكثير من المصريين لهم مطالب فئوية - ناجمة عن استمرار الفساد و الاستبداد لعقود - يسعون لتحقيقها الأن بعد أن أفقنا من الكابوس !!!، و القوات المسلحة تقدر هذا كله و تتعامل مع طموحات المصريين جميعا بكل حنكة و روية و تنفذ رغبات الثوار و الجماهير الواحد بعد الأخر. تأثرت كثيرا حين رأيت الدموع في عيون قادة القوات المسلحة وهم يستمعون الي خطبة الجمعه لمفتي الجمهورية الشيخ علي جمعه في يوم الشهيد، فأدركت أن للقوات المسلحة قلب و روح أيضا. علي المستوي القومي و الوطني أعجبني جدا تجاهل المشير طنطاوي الرد علي مهاتفات السفاح الصهيوني ننتياهو بعد الثورة و اكتفاء المشير بالتأكيد لوزير دفاعه باراك علي احترام الثورة للمعاهدات و المواثيق الدولية شاملة معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية حتي يسلم الحكم للمدنيين، كما أثلج صدورنا السماح بعبور السفينتين الايرانيتين المتجهتين الي سوريا من قناة السويس باعتبار أن ايران ليست دولة معادية و باعتبار أن السفينتين لا تحملان موادا ضارة بقناة السويس أو بالبيئة المصرية وهما الشرطان المانعان لعبور السفن قناة السويس و لم يلتفت المجلس الأعلي الي المخاوف و التحذيرات الاسرائيلية من عبور السفينتين، و لعل عبور السفينتين هو الدافع لبشار الأسد للتواصل مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة وهو ما أوغر صدر الكيان الصهيوني الذي يخشي عودة الوفاق المصري السوري!!. القوات المسلحة حافظت دوما علي عقيدتها القتالية فلم تغير عدوها الاستراتيجي الأول و هو الكيان الصهيوني بعد أن حاولت أمريكا تعديل العداء الي الارهاب. اذا كان السادات قد وصف القوات المسلحة في خطابه التاريخي يوم 16 أكتوبر 1973 بأنها للوطن درع و سيف، فان المشير طنطاوي و رفاقه قد جعلنا نفخر بهم بأنهم للأمة المصرية ليس فقط درعا و سيفا بل قلبا و عقلا أيضا. *أستاذ جراحة القلب و الصدر بطب الزقازيق