إن الله تعالي يجعل من بعد المرض صحة ومن بعد الفقر غني ومن بعد الذل عزا و من بعد الضعف قوة ومن بعد العسر يسرا ، وربك يخلق ما يشاء ويختار وكل شيء عنده بمقدار ..!! جعل الله من عباده القوي والضعيف، و الغني والفقير، والوسيم وغير الوسيم، تفاوت الحظوظ له حكمة بالغة ، هذا التفاوت يعني أن الإنسان ممتحن بحظوظه التي آتاه الله إياها سلباً أو إيجابا ..!! ومن أراد القوة الحقيقية فعليه أن يستمدها من الله لأن هذه القوة لا تزول ولا تحول " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ "( البقرة: 165) اذا أردت أن تكون قوياً طوال حياتك فابحث عن قوة ليست مرتبطة بإنسان فلو أزيح هذا الإنسان فقدت كل القوة، إن أردت القوة الحقيقة فابحث عنها عند الله لأن هذه القوة لاتنتهي أبداً .... كان المعوِّقون والمخذِّولون يَذهبون إلى المرأةِ، فيُثيرون مخاوفَها على رِزْقها، ورِزْق عِيالها، إذا ذَهَب زوجُها إلى الجهاد، فتُجيبهم في ثِقة واطمئنان: زَوْجي عرفتُه أكَّالاً ولم أعرْفه رزَّاقًا، فإنْ ذهَب الأكَّال فقد بقِي الرزَّاق..!! فالي كل من يحاول تغيير الحقيقة ، الي كل من يغالب الحق ، الي كل من يجابه الاسلام ويحارب الالتزام ، الي كل من يريد ان يطمس وجه مصر النضالي ويشوه شعب مصر الحضاري ، في الصحف والمجلات ، في الاذاعات والفضائيات ، في المواصلات والهيئات .. هيهات هيهات ..!! كيف لا وقد بقي فرعون قرون طويلة يعذب الناس ، يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم ، يظلمهم ويستعلي عليهم " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ "(القصص:4) حتي " فقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى "(النازعات:24)." كانت النتيجة " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " (غافر : 46) كيف لا وقد كان قارون يفرح بظلم الناس فيقهرهم ويظلمهم " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "( القصص : 76 ). والمراد بذلك الفرح الذي يصحبه الكبر والبغي على الناس والعدوان والبطر، لذلك كانت النتيجة " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ "( القصص :81 ) أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه، ولا دفعوا عنه نقمة اللّه وعذابه ونكاله، ولا كان هو نفسه منتصراً لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا غيره ...!! كيف لا وقد تفوق قومُ عاد تفوّقوا في كل المجالات الدنيوية ، ورغم ذلك لم تنفعهم قوتهم المبنية علي الظلم والقهر والبطش ..!! كيف ؟ كانت لديهم قوة معمارية : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون " ( الشعراء : 128) و قوة صناعية : " وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ" ( الشعراء :129) وقوة عسكرية : " وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ" ( الشعراء : 130 ) و قوة علمية : " وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" ( العنكبوت ) تفوقوا في شتى المجالات ، تغطرسوا ، استكبروا ، وافتروا ، تفوقوا في العمران ، في الصناعة ، في الحرب ، في العلم .لكنهم " طَغَوْا فِي الْبِلَادِ" ( الفجر ) لم يقل : طغوا في بلدهم ، بل﴿ فِي الْبِلَادِ ﴾﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ (الفجر ) شتي انواع الفساد ، يحاربون الله ، وينتهكون حرمات الشرفاء ، ويقتلون الأبرياء ، و ينشرون الفساد في الأرض ، ضلوا طريق الحق فكانت النتيجة أن صب الله عليهم العذاب صبا " فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ* إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ" ( الفجر ) والله بالمرصاد لهم ولكل من سلك طريقهم ..!! بلغوا من القوة ما بلغوا لكن الاقوي منهم ومن غيرهم فأهلكهم عن بكرة ابيهم " وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى " وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى" ( النجم) و الذي يلفت النظر أن الله جل جلاله ما ذكر أنه أهلك قوماً إلا وذكّرهم أنه أهلك أشد من هو أشد منهم قوة ، إلا عاداً حينما أهلكها قال :" هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً" ( فصلت : 15) ومدلول الاية كما يقول العلماء : لم يكن فوق عاد إلا الله ، وهذه عبرة ما بعدها عبرة ، بعد كل هاذا الاستكبار الكبير والجحود العظيم كانت الخلاص الاليم " فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ"( فصلت:15)، أهلكهم الله تعالى بالريح العقيم " وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ"( الذاريات:41-42) القوة الحقيقية ألا ترى مع الله أحداً، لا تقل زيداً وعبيداً، لا تقل فلاناً وعلاناً، لا تقل الجهة الفلانية، ألا ترى مع الله أحداً، فان ذلك يملأ النفس إيماناً، وأمناً، وطمأنينة، فلا تستبد بالنفس المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك، فقد سدّ المؤمن الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم، الخوف على الرزق، و الخوف على الأجل، و الخوف على النفس، والخوف على الأهل والأولاد، والخوف من الإنس، والخوف من الجن، والخوف من الموت، والخوف مما بعد الموت، أما المؤمن الصادق المؤمن فلا يخاف إلا الله، ولا يخشى إلا الله، لهذا تراه آمناً إذا خاف الناس، مطمئناً إذا قلق الناس، هادئاً إذا اضطرب الناس، متي ؟ عندما يعمل بهذه الاية ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾ ( سورة الشعراء: 213) لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق، وطغى وتجبّر، وكان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين بينوا للناس الحق، والحقيقة ، فعلم الحجاج بذلك فدخل إلى مجلسه وهو يتميز من الغيظ وقال لجلاسه: تباً لكم وسحقاً، يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما يشاء أن يقول ثم لا يجد فيكم من يردّه أو ينكر عليه، والله لأسقينّكم من دمه يا معشر الجبناء..!! ثم أمر بالسيف والنطع- والنطع قماش يوضع فوق السجاد لئلا يتأذى السجاد بالدم إذا قطع رأس المقطوع- ودعا بالسياف فمثل واقفاً بين يديه، ثم وجه إلى الحسن البصري بعض جنده وأمرهم أن يأتوا به، فلما حضر الحسن، شخصت إليه الأبصار، ووجفت عليه القلوب، فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد حرّك شفتيه، ثم أقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن، وعزة المسلم، ووقار الداعية إلى الله، فلما رآه الحجاج على حاله هذا هابه أشد الهيبة وقال له: هاهنا يا أبا سعيد.. هاهنا.. ثم ما زال يوسع له ويقول: هاهنا.. الناس لا يصدقون جيء به ليقتل، لقد طلب ليقتل والنطع جاهز، والسياف واقف، وكل شيء جاهز لقطع رأسه، ما الذي حصل؟يجلسه الي جانبه ..!! وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسن يجيبه كل مسألة بجنان ثابت، وبيان ساحر، وعلم واسع، فقال له الحجاج: أنت سيّد العلماء يا أبا سعيد، ثم دعا بغالية، نوع من أنواع الطيب الغالي جداً وطيّب له بها لحيته وودّعه، إلى باب القصر، ولما خرج الحسن من عنده تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وإني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع حرّكت شفتيك، فماذا قلت؟ فقال الحسن: لقد قلت: ولي نعمتي وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته برداً وسلاماً عليّ كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم. إذا أصلحت علاقتك مع الله، إذا تبت إليه، إذا اصطلحت معه، إذا أقبلت عليه، إذا كنت صادقاً، أميناً، مطيعاً، قائماً بعباداتك، متبعاً منهج رسولك ، من يستطيع أن ينال منك وانت تركن الي قوة الله ؟!! إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ و دخل سليمان بن عبد الملك الحرم المكي، ومعه الوزراء، والأمراء، والحاشية، وقادة الجيش، وكان حاسِرَ الرأس، حافِيَ القدَمَيْن، ليس عليه إلا إزارُهُ ورداءه، شأنُهُ كَشَأن أيّ حاجٍّ محرم من المسلمين، ومن خلْفِهِ ولدان وهما غلامان كَطَلْعَة البدْر بهاءً، وكأكْمام الورْد نضارةً وطيباً، وما إن انتهى خليفة المسلمين وهو أعظمُ مُلوك الأرض، من الطَّواف حول البيت العتيق، حتى مالَ على رجلٍ من خاصَّتِهِ، وقال مَن عالم مكة؟ هذا خليفة المسلمين كان يحكم ثلث الأرض ومع ذلك سأل من عالم مكة، فقالوا: عطاء بن أبي رباح، قال: أروني عطاء هذا، فالتقى به، فوجده شَيْخٌاً حبَشِيّاً، أسْوَدُ البشَرَة، مُفَلْفَلُ الشَّعْر، أفْطَسُ الأنف، إذا جلسَ بدا كالغُراب الأسْوَد، كأن رأسه زبيبة، مشلولاً نصفه، لا يملك من الدنيا درهماً ولا ديناراً، فقال سليمان: أأنت عطاء بن أبي رباح الذي طوّق ذكرك الدنيا؟ قال: هكذا يقولون، قال: بماذا حصلت على هذا الشرف قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي، ، اما علماء السلطان يسقطون علمهم ويضيعون هيبتهم ويفقدون قوتهم ، ، قال سليمان: لا يفتي في المناسك إلا عطاء. فالعلم يعطيك طاقة لا تتقيد بحدود الزمان والمكان، وتكسب صاحبها علواً ومنزلة، وتمهّد الطريق أمامه للرفعة في الدنيا والآخرة، والدليل: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾سورة المجادلة: 11] سيدنا الصديق أو بكر رضي الله عنه ، لما اشترى بلالاً قال له سيد بلال: والله لو دفعت به درهماً لبعتكه، فقال له الصديق: والله لو طلبت به مئة ألف درهمٍ لأعطيتكها، فلما اشتراه وضع يده تحت إبطه وقال: هذا أخي حقاً، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا الصديق قالوا: هو سيدنا وأعتق سيدنا أي بلالاً. لا حسب ولا نسب ولا مكانة ولا جاه أنما قوة الانسان في أيمانه وتقواه : ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾[ سورة الحجرات: 13] بالركون الي الله ومعرفته وتقواه تملك القوة الباقية بقاء الحياة وبالفتونة والغطرسة والجبروت تفقد كل الحياة ..!!
خميس النقيب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.