بدأت الجثث تبدو مطلع الأسبوع الماضي؛ ففي يوم الاثنين، 13 مارس، عُثر على 34 جثة، وفي الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، عثر على أكثر من 15 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 22 عامًا إلى 40 عامًا، في مؤخرة شاحنة صغيرة في حي الخضراء غرب بغداد. وكان الضحايا مخنوقين. وبحلول فجر الثلاثاء، عثر على 40 جثة في أنحاء مدينة بغداد، بدا على معظمهم علامات التعذيب قبل أن يقتل هؤلاء الرجال بأسلوب الإعدام "رميًا بالرصاص". وكان أكثر الاكتشافات شناعة، مقبرة جماعية في حي الكمالية ذي الأغلبية الشيعية في شرق بغداد، تحتوي على جثث 29 رجلاً، يرتدون ملابسهم الداخلية فقط، بالإضافة إلى تقييد أيديهم وتكميم أفواههم بشريط. وعثر السكان المحليون على المقبرة فقط لأن الأرض كانت تنز بالدماء. وكان المجموع 87 جثة عثر عليها خلال يومين في بغداد. الاكتشاف المروع كان رهيبًا على نحو كافٍ، والأخير ربما أكثر الإشارات المخيفة بأن العراق ينحدر لمزيد من المجازر وحرب أهلية كاملة محتملة. ولكن المزعج هو الأدلة المتنامية على أن المذابح والعمليات الأخرى المماثلة لها، أجيزت أو تم التحريض عليها من قبل قوات الشرطة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، والتي يراقبها، وزير الداخلية الشيعي بيان جبر صولاغ، وتحت مراقبته قامت الميليشيات الطائفية بزيادة رتب وحدات الشرطة، ويتهمهم السنة، باستخدام مناصبهم لتنفيذ عمليات قتل انتقامية ضد السنة. ويقول المنتقدون: إنه بينما يسمح للميليشيات التي تلقت تدريبًا إيرانيًا باختراق وزارة الداخلية العراقية وتولي مناصب فيها، أقر جبر الاغتيالات التي تستهدف رجال السنة، وأعاق التحقيقات في فرق الموت التي تديرها الداخلية العراقية. إن السمعة السيئة المتنامية لجبر وقواته، بسبب الوحشية، تأتي في وقت في غير محله لإدارة بوش، التي تريد تسليم المسئوليات الأمنية لنفس وحدات الشرطة في أسرع وقت ممكن، الأمر الذي يرفع احتمالات مقلقة بأن الولاياتالمتحدة تدرب وتسلح في الحقيقة أحد أطراف الصراع بالعراق، الذي يبدو أنه يسير من السيئ للأسوأ كل يوم. وقال السفير الأمريكي لدى العراق زلماي خليل زاده للتايم أخيرًا: إن "الميليشيات تمثل البنية التحتية للحرب الأهلية". وانتقد خليل زاده علنًا بيان جبر، وحذّر من أن الأجهزة الأمنية والوزارات الجديدة، تحت الحكومة العراقية الدائمة، ينبغي أن تدار من قبل أشخاص يتسمون بالكفاءة "وغير طائفيين" وليس لديهم أية علاقات بالميليشيات. ويقول السنة: إنه منذ تعيين جبر وزيرًا للداخلية عقب انتخابات يناير 2005، التي جاءت بالائتلاف الشيعي الديني للسلطة، بدأ جبر - عضو "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" المدعوم من طهران، والذي فر إلى إيران في 1970 - في إعادة تشكيل الشرطة الوطنية شبه العسكرية إلى قوات الصدمة الشيعية. وللمساعدة في تسهيل تحول قوات الشرطة، كان وزير الداخلية يتأكد من تطوع عناصر فيلق بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى الشيعي. وأعضاء فيلق بدر لديهم حضور متزايد في قوات الشرطة الوطنية، التي تتكون حاليًا من تسعة ألوية تضم نحو 17.500 عنصر، مقسمين بين قوات المغاوير الخاصة وألوية حفظ النظام العام واللواء المزود بالأسلحة، والذي سيحول قريبًا إلى وزارة الدفاع. وقال مستشار "سلطة التحالف المؤقتة" السابق لوزارة الداخلية العراقية، مات شيرمان: إن "القيادة في مناصب قوات المغاوير تحولت إلى بدر". وأضاف أن "المجندين الجدد على الأغلب من بدر". بالفعل، خارج مقر وزارة الداخلية، رايات تعلن التضامن مع الإمام الحسين، أحد الشخصيات المقدسة لدى الشيعة، وأحيانًا بدلاً من "الأعلام العراقية". وأشار التقرير الذي حمل عنوان "لماذا أصبحت شرطة العراق مشكلة مميتة؟!" أيضًا إلى أن معظم لحى الحراس تأخذ الشكل الإيراني، الأمر الذي يجعلهم بارزين في بغداد، حيث اللحى أقل شيوعًا. ويرجع التقرير قليلاً إلى الوراء.. ففي ديسمبر 2003، أدرك دافيد جومبيرت، مستشار الأمن القومي السابق ل"سلطة التحالف المؤقتة"، المخاطر التي تفرضها الميليشيات الطائفية على استقرار العراق. وأصدر رئيس "سلطة التحالف المؤقتة" بول بريمر الأمر 91، الذي كان معدًا لدمج تسع ميليشيات مجموعها نحو 100 ألف رجل، إلى قوات الأمن العراقية. ولكن قوات "البشمرجة" الكردية ومنظمة بدر، لا يزالان موجودين في الوقت الحاضر؛ لأن الأمر لم ينفذ قط. وقال جيري بوركي، مستشار الشرطة المدني السابق لوزارة الداخلية العراقية: إن الذي جعل الأمور تسوء هي حقيقة أن الشرطة – بخلاف الجيش العراقي، الذي لا يزال تحت القيادة الأمريكية والإشراف الأمريكي – تم تجاهلها تقريبًا من بداية الاحتلال. كما أن المراقبة لأفعال الشرطة الوطنية تأتي من ضباط المخابرات العسكرية الأمريكية وليس مراقبي الشرطة المدنيين. هذا السهو الخطير، الذي نبع من عدم تعود الجيش على طرق العمل الشرطي مع المدنيين، وعدم الرغبة في التعلم، أدى إلى انتهاكات كثيرة.. ومحاسبة ضعيفة. ووثّقت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير منذ أسبوعين حوادث متعددة في 2005، يعود تاريخها إلى مطلع مايو الماضي، عندما عين جبر وزيرًا للداخلية للمرة الأولى، حيث قتل رجال سنة بأسلوب الإعدام من قبل شرطة وزارة الداخلية أو الميليشيا الشيعية. وفي كل قضية، أمر جبر بإجراء تحقيق لم يكشف بعد عن أية نتائج. وقال بوركي: إنه بسبب "إهمال" وزير الداخلية، كان جبر مسئولاً بشكل غر مباشر عن مقتل المئات من رجال السنة، في عمر الجيش، والذين اكتشفت جثثهم في جنوب شرق بغداد في أواخر ديسمبر. وأضاف بوركي أن رجالاً في زي الشرطة وعربات تسافر تجوب المدينة في الساعات الأولى من اليوم مع جثث في مؤخرة الشاحنات للتخلص منها في وحدة معالجة القاذورات. وقال بوركي: السجناء غالبًا يختفون لأنهم اعتقلوا في الليل، ولا يوجد أحد لديه بيان دقيق للأشخاص الذين اعتقلوا والمكان الذي اقتيدوا إليه.. "مغاوير الشرطة الخاصة بلا شك، خارج السيطرة". لذا فإن سمعة الشرطة الوطنية سوداء. وقال العديد من السنة: إنه بعد تفجير ضريح الإمام "العسكري" في سامراء في 22 فبراير، كان الجناة قوات وزارة الداخلية الذين كانوا يبحثون عن ذريعة لبدء الحرب الأهلية. وقد تزايدت مخاوف السنة في اليومين الدمويين عقب الهجوم، عندما أصبح العراق محلاً للمجازر الطائفية. وبدلاً من حماية المواطنين، قامت وحدات الشرطة الوطنية يدعمها المشاغبون الشيعة – ومسلحون منافسون من قوات الصدر التي يطلق عليها اسم جيش المهدي – باقتحام مساجد السنة والزحف على الأحياء السنية، بحسب تقاريرٍ أكد بعضها قائد القوات الأمريكية في العراق جورج كاسي. كما أنه من المحتمل أن تفعل الجهود الأمريكية للمساعدة في وقف الطائفية المميتة، القليل، وفي بعض المجالات ربما تتفاقم المشكلة. وبدلاً من زيادة أعداد المستشارين المدنيين لقوات الشرطة المحلية، قال المتحدث باسم القيادة الانتقالية الأمنية متعددة الجنسيات – العراق "MNSTC-I" : إن المزيد من أفراد الشرطة العسكرية الأمريكية وعناصر الجيش سيعينون لتدريب القوات العراقية. وقال جومبرت: "أتذكر القول، إذا كان هناك حرب أهلية، فإنها ستكون قتالاً بين المتمردين السنة والميليشيات الشيعية"، "وطالما يدير جبر وزارة الداخلية وقوات الشرطة التابعة لها، فإن هناك ارتيابًا قليلاً: أي من الاثنين في مثل هذا الصراع سيكون القانون – والتدريب الأمريكي – في جانبه؟!". المصدر: مفكرة الاسلام