عفوا .. لا أستطيع أن التمس العذر للمظاهرات الفئوية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم في الأيام الأخيرة ,وتحديدا قبل تنحي الرئيس السابق . شعرت يوم انتشرت أن ثمة شيء مبهم يهدد الثورة الوليدة , لكن الله - رغم مكرهم الذي تزول منه الجبال - هو خير الماكرين, فقلب سبحانه السحر علي الساحر وبدت الأمور كما لو أن حالة من الثورة عمت البلاد كلها وانتهي الأمر بتنحي الرئيس . حمدنا الله وظننت أنه جاءت لحظة التوحد ثانية ورعاية ثورتنا البازغة , كل بحسب قدرته واختصاصه لتورق وتثمر بما يعود بالخير علي الجميع ,غير أن هذا لم يحدث. وبحسب فهمي المتواضع أستطيع أن ألخص الصورة في كل مؤسسة مهما اختلف وضعها في ثلاث جبهات : الأولي جبهة أو لنسميها فريق" الأوراق المحروقة " وهؤلاء غالبا من رؤساء المؤسسة وبعض من أصحاب المراكز الأولي فيها : هذا الفريق ساند النظام السابق بشكل فج ولا لبس فيه, وغرق في الفساد حتى أذنيه , ومن ثم فهم لا يستطيعون مهما أوتوا من قوة إخفاء ذلك , حتى تلونهم غير مقبول.وهؤلاء بالطبع لازالوا في أماكنهم بحكم أن المجلس العسكري لا يرغب في فتح كل الجبهات في نفس اللحظة, ونحن نحترم تقديره للأمور. أما الفريق الثاني فهو فريق الانتهازيين والمسوقين : وهو فريق أمره خطير , فالفريق يضم بين جنباته صنوف شتي , إذ يجمع بين من وقع عليهم ظلم في الأيام الفائتة, وأصحاب الحقوق المهضومة , وبين من يبحثون عن استحقاقات قادمة ,وأيضا الانتهازيين وصائدي الثورات وهم في الغالب ممن استطاعوا التربح من النظام السابق وجمعوا كثيرا من فتات موائده ,و منهم من كان النظام يحتفظ بهم في الخفاء لأداء أدوار المعارضة الديكورية أو توجيه الناس في اتجاه معين. وهؤلاء هم الذين يقودون الآن المظاهرات الفئوية , وينددون بالفريق الأول ويدعون الشرف والنزاهة ويصرخون بأنه لا عمل ولا أنتاج إلا بعد التخلص من الوجوه الفاسدة أعضاء الفريق الأول. فتشيع الفوضي ويضيع الحق. وتنتشر الفتنة التي يحير معها الحليم . أما الفريق الثالث فهو فريق "الشغالة " نسبة إلي شغالة النحل, وهو فريق مكون من الشرفاء الذين أزعجهم وأرقهم بشدة تلك السلوكيات الفاضحة للفريق الأول ولطالما وقفوا أمامها وقت اشتداد سطوتهم وخسروا كثيرا جراء ذلك ولم يبالوا . وهم من تقف ضمائرهم حائلا دون انزلاقهم مهما كانت المغريات الآن , وهم في الغالب من العاملين المتفانين في عملهم والذين يحملون علي أكتافهم مهام تسييره فعليا ويعانون في الغالب من تدني الاستحقاقات المادية والأدبية .فهم ليسوا رجالا لأحد وغير محسوبين علي أية شلة. الأزمة الآن أيها السادة هي أزمة هذا الفريق الثالث الذي يشعر أن مؤسسته تضيع بين الفريقين الأولين,فعندما جاءت اللحظة التي طالما تمناها والتي انكشف فيها الفريق الأول, كان الفريق الثاني يستعد للسطو علي مناصبه, غير أنه في غمرة استعداده هذا يعطل العمل ويثير الفوضى ويكاد يقضي علي المؤسسة, ومن ثم علي الركائز التي يمكن أن تستند إليها الثورة الوليدة فيضعفها بدلا من أن يقويها , ومن هنا وجد الفريق الثالث نفسه في مأزق رهيب , فهو إذا دعا إلي سير العمل وتقديم مصلحة المؤسسة علي الفرد يتهم بأنه يؤيد الفريق الأول , كما أنه لا يستطيع بالطبع أن ينضم لفريق الانتهازيين والفوضويين المخربين .وعذرا أن كنت أتلمس واقع خبرتي الشخصية في مؤسستي التي أعمل بها . و أعتقد أنكم جميعا علي علم بأعضاء الفريق الأول بينما قد يخفي عليكم أعضاء الفريقين الثاني والثالث . فدعوني أخبركم أن الفريق الثاني عندنا يضم الكثيرين ممن عملوا حتي بضع أيام خلت مستشارين لدي وزارات الدولة التي يحاكم الآن وزراؤها بتهم الفساد ,أو مستشارين لدي رجال الأعمال المتحفظ علي أموالهم , أو من حاملي عضوية الحزب الوطني ,أو ممن يبحثون عن منصب مستقبلي يجعلهم خاضعين لابتزاز هذا الفريق, كالباحثين عن المناصب النقابية وعضوية مجالس الإدارات والجمعيات العمومية , إلي جانب حفنة من المساكين المظلومين الذين تلعب هذه الأصوات العالية علي رغبتهم في الحصول علي حقوقهم المهضومة. فماذا يفعل أعضاء الفريق الثالث؟ أفتونا مأجورين خاصة أننا نحسبكم جميعا علي خير ونحسب أن فيكم خبراء يستطيعون رسم الطريق لكل مؤسسة وشركة ومصلحة وتجمع في بلادنا الطيبة. ولنعمل عقلنا سويا لنساند ثورتنا بدلا من تشتيت الجهد بين فرق متنازعة ,فينتهي الأمر إلي الفوضى كما يرغب الراغبون. مرفت عبد العزيز الصحفية بالأهرام - مجلة لغة العصر