أضعف نقطة في الحياة السياسية، هي غياب التيار السياسي المحافظ عن المجال السياسي. فالعديد من الأحزاب التي تظهر في الساحة العربية، تنتمي في معظمها للنخب الليبرالية واليسارية، أما الاتجاه المحافظ فلا نجد له تعبيرا سياسيا في صورة حزب سياسي. وإذا نظرنا للساحة العربية، ومنها مصر، سنجد غلبة الاتجاه المحافظ على الناس، كاتجاه ديني وحياتي. ومعنى هذا أننا بصدد أغلبية محافظة لا يتم التعبير عنها سياسيا. ونظن أن الأغلبية الصامتة في مصر، هي الأغلبية المحافظة، والتي لا تجد تعبيرا سياسيا يجمعها. وفي الوقت الذي يتزايد فيه حضور النخب الليبرالية واليسارية على الساحة السياسية والإعلامية، لا تجد للتيار المحافظ تواجدا سياسيا أو إعلاميا، يتوازن مع حجمه الجماهيري. وتلك الظاهرة لها أثر بالغ على ما نسميه السلبية السياسية، وعدم الإقبال على المشاركة السياسية. فوجود أغلبية محافظة بين أبناء الشعب المصري، دون وجود تعبير سياسي عنها، يجعلها في النهاية أغلبية صامتة، لا تجد من يعبر عنها. ولكن مشكلة التيار المحافظ في مصر تتجاوز مسألة عدم وجود تعبير سياسي عنه، لتصل لمرحلة الفرقة بين المنتمين للاتجاه المحافظ، بسبب اختلافهم دينيا. وتلك في الواقع أهم المشكلات السياسية التي تعاني منها الجماعة المصرية. فالاتجاه المحافظ الغالب بين المسيحيين في مصر، لا يرى الأرضية المشتركة بينه وبين الاتجاه المحافظ الغالب بين المسلمين. ونرى أن المحافظين عموما يتصوروا أن توجهاتهم تخص انتمائهم الديني. ومعنى ذلك تصور وجود اختلاف بين التوجه المحافظ المسيحي وذالك الإسلامي. وهذا الاختلاف موجود بالفعل، ولكن على مستوى العقيدة والعبادة. وعندما نكون بصدد الحديث عن الشأن السياسي، نكون في الواقع خارج إطار العقيدة والعبادة، حيث أن الشأن السياسي يرتبط أساسا بجانب المعاملات أو العمل الصالح، أي بالجانب التطبيقي للدين. ولهذا فالفروق في العقائد والعبادات، لا ينتج عنها فروق مماثلة في الموقف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. لأن الجوانب التطبيقية في الحياة، ترتبط بالقيم الدينية العليا، ولكنها ليست موضوعا للجدل العقائدي. والمحافظون في مصر، من مسلمين ومسيحيين، لم يكتشفوا بعد التقارب الكبير بينهم في المواقف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل نقول في المواقف الحياتية عامة. وسبب ذلك مرجعه لحالة الانعزال الديني، والتي صاحبت مرحلة الإحياء الديني. والحقيقة أن هذا الانعزال أمر متوقع، مع بداية مراحل الإحياء الديني، وبداية عملية إعادة اكتشاف الهوية الدينية والحضارية للمجموعات الفرعية المكونة للجماعة المصرية، وغيرها من الجماعات العربية. وبعد انتهاء المراحل الأولى للإحياء الديني، حسب تصورنا، أصبح الوضع الراهن مناسبا للخروج من حالة انعزال الهوية، إلى مرحلة اكتشاف الهوية المشتركة للأمة. والغالب على أمتنا العربية والإسلامية، أنها تمر بمرحلة إعادة الاكتشاف وإعادة التوحد. ولا يمكن تحقق توحد الأمة بالفعل، بدون اكتشاف وحدة التوجهات المحافظة بين المؤمنين مع اختلاف عقيدتهم. فصلب توحد الجماعة المصرية، يتحقق من خلال اكتشاف المشترك السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بين المحافظين من المسلمين والمسيحيين. ونلاحظ هنا، أن العديد من القوى السياسية، تحاول منع حدوث التجمع السياسي للمحافظين في مصر. ومنهم النخب العلمانية، والتي ترى في ذلك التجمع قوة سياسية قادرة على الوصول للحكم. وبالطبع تصبح النخب الحاكمة هي الأشد تخوفا من بروز نجم التيار السياسي المحافظ بين المسلمين والمسيحيين، لأن ذلك يمثل تهديدا سياسيا على النظام الحاكم. فقوة المحافظين المصريين، تمكنهم إذا توحدوا من الوصول للسلطة، وتغيير النظام السياسي المصري، ليكون تعبيرا عن التوجه الديني والحضاري المحافظ، والذي يمثل الأغلبية داخل الجماعة المصرية. وبسبب تلك العوامل التي تخص المحافظين أنفسهم، وتخص المناخ المحيط بهم، يتأخر ظهور التيار السياسي المحافظ، كتيار موحد. وهنا نؤكد أننا نتكلم عن المؤمن المحافظ، تميزا له عن المؤمن الليبرالي، وربما المؤمن العلماني، إن جاز القول. والمؤمن المحافظ هو الذي ينتمي للقيم الدينية المحافظة، ويرى أهمية تطبيقها في الحياة، ويرى أن نظام الحياة لا يمكن أن يخرج عن إطار الدين، بوصف الدين هو المقدس المنظم للحياة. ولهذا يتبنى المؤمن المحافظ موقفا أخلاقيا أصيلا من القضايا التعليمية والثقافية والتربوية والأسرية، وكذلك القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي العديد من المواقف برز كيف تتشابه مواقف المحافظين رغم اختلاف عقيدتهم. ومن جانب آخر، سنجد أن المؤمن المحافظ هو الذي يهتم بالتقاليد والأعراف الاجتماعية، ويحافظ على الهوية الحضارية، ويؤمن بالخصوصية الحضارية، وتميز الشعوب ثقافيا وأخلاقيا. ولهذا نجد الاتجاهات المحافظة تقوم على تقديس الدين والقيم الحضارية العليا. وهو ما يظهر في الجماعة المصرية بوضوح، والتي تحافظ على قيمها الحضارية والدينية، حتى عندما يهاجر بعض الأفراد للغرب، نجدهم يقيموا نطاقا حضاريا لهم ولأبنائهم للحفاظ على قيمهم وتقاليدهم. لهذا نرى ضرورة اكتشاف المشترك الاجتماعي والسياسي بين المنتمين للاتجاهات المحافظة، من المسلمين والمسيحيين، في مصر. وقد يرى البعض وجود اختلافات في نمط الحياة والقيم الحاكمة له، بين المسيحية والإسلام، وهنا نؤكد على أن فكرة تقديس الدين كمنظم أعلى لشئون الحياة، تعني الاحتكام لكل الأديان، فإذا وجد اختلاف، يحتكم كل أصحاب عقيدة لعقيدتهم، كما في أمور الزواج، وإذا لم يوجد اختلاف يحتكم الجميع لقيمهم الدينية المشتركة، مثل الحفاظ على الأسرة وعلاقات الرحم، والتضامن الاجتماعي وغيرها من القيم الدينية والمحافظة. وفي المجال الأخلاقي، سنجد توافق في مساحات كبيرة. مما يجعل توحد التيار المحافظ ضرورة ممكنة. [email protected]