ثورة مصر ليست ثورة شباب الفيسبوك , بل ثورة العقل الجمعي لشعب عظيم يمتد آلاف السنين في أرض أعطت للعالم أجمع مفهوم الحضارة , وكانت محط أنظار الغزاة والطامعين , وكما كان التحنيط في مصر لغزا حير العلماء ستبقى ثورة مصر لغزا لا يحل كنه إلا المصريون ..! ثورة راقب العالم فصولها على مدى ثمانية عشر يوما , أبرزت ماهية الحضارة , ومعنى الحضارة فلا هي ثورة مقصلة ولا إفناء للآخر بل كانت ثورة سلمية حضارية لشعب قدره أن يكون قائدا لأمة العرب .. فلا معنى للعرب دون مصر , كيف لا وهي القلب , وهل للجسد أن يؤدي وظائفه دون القلب ..؟ ندرك أن ما قيل وما يقال لن يعبر عما جرى في مصر , وكيف لنا أن نختزل أعظم ثورة في تاريخ البشرية بكلمات , ثورة أتت أكلها خلال ثمانية عشر يوما لكن توثيقها يحتاج لآلاف الرسائل والدراسات لتحيط بها , ثورة أعادت كرامة الإنسان المصري , وكرامة العربي بعد أن دب اليأس والقنوط في قلوب العرب على مدى عقود من الضياع عقود من الذل عقود من التبعية .. شهدت دمار العراق وحصار غزة وتقسيم السودان ونكبات أخرى في بلاد العرب ... آن لنا أن نقول: طال الفجر ولكنه أتى وليس بعدك يا فجر من ظلام .. الآن الكتابة ربما ليست لتحليل ما جرى فكل ما ُسيكتب لن يكون إلا أقل من الذي حدث ..! هو ليس عجز الكاتب ولكن أي ثورة تساوي ثورة مصر .. هل هي الثورة الفرنسية التي صدعوا رؤوسنا بها والتي أفرزت ثورة المقصلة , ونادت بشعارات انعكست وبالا على الناس ومنهم شعب مصر العظيم حين غزا نابليون مصر وفي عامين ونصف أفنى 7% من الشعب المصري ..! هذه الثورة العظيمة ستتضح نتائجها في قادمات الأيام , هي بداية نهضة العرب بعد أن تتحول مصر إلى الأنموذج الذي يحتذى به , سيعرف الناس معنى حقوق الإنسان , ومعنى العقد الدستوري الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم , عندما تصوغ العبقرية المصرية ما غاب عن المواطن المصري سنوات وعقود .. فعلى الصعيد المصري لن تكون ثورة مصدرة للشعارات أو ثورة الفرد ,بل ثورة بدأت على كوامن النفس فانطلق المارد المصري بعد غاب مئات السنين ليمارس دوره الإنساني والقيمي ويعيد لشخصية مصر دورها الزماني والمكاني , ويؤكد أن ما جرى في ميدان التحرير من إيثار وتعاون وغياب للأيدلوجية وذوبان في الوطنية المصرية أن مصر هي المعدة التي تهضم الجميع لتفرز مصريا دون طائفية أو مذهبية أو مناطقية ... وهنا مكمن السر المصري .. وعلى الصعيد العربي عاد القلب لينبض من جديد , واستذكر العرب كيف سحق جيش مصر المغول في عين جالوت بعد أن يأس الناس من نصر على عدو غاشم أهلك الحرث والنسل ودمر بغداد عاصمة الخلافة .. وستعود القاهرة لتكون عاصمة العواصم وموئل العرب ومنبع العلم والأدب والفن , وقدرها أن تكون هكذا , وستصنع التوازن أمام القوى الإقليمية الصاعدة وينام العربي هانئا وهو يدرك أن للعرب موقعا على خارطة السياسة والتوازنات الدولية .. وعلى الصعيد الدولي لن تكون مصر دولة تفرض عليها الإملاءات أو تكون ممر عبور لإجهاض أي دولة عربية تقول لا للغطرسة الأمريكية , ولن تقف متفرجة على تمزق وتشرذم الدول العربية .. هي ثورة مصر لأجل مصر ليست ثورة جياع ولا ثورة شباب بلا عمل هي ثورة مصر لاستعادة مصر .. مصر الحضارة .. مصر العروبة .. مصر الأزهر .. ماذا نسطر والحجا محتارُ؟ فالنيل ماج وموجه إعصار من قال إن النيل يهجر مصره من قال إن الشعب ليس يثارُ كاتب وإعلامي سوري مقيم في القاهرة [email protected]