قد يكون هذا المقال جاء متأخرا قليلا أو سابقا لأوانه وقد تقرأه أبطال أو إبطال وقد تكون أيضا زاهدا في القراءة مللت من كثرة المقالات وتبدل الأدوار وعتامة الأفكار لإناس عشقوا تبديل المواقف بحسب الحاجة وقد تتفق معي أو تختلف لكن أن كان مازال بك طاقة للقراءة أشرح لك المعادلة الصفرية تتلخص في أن يرى كل فريق أن الحل يكمن في رؤيته هو فقط وعلى جميع الأطراف التكيف مع ذلك او أما الصورة التي يعتنقها بالكامل أو لا شيء وإما أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. وصار النقاش لا يحتمل إلا نتيجة واحدة أن تسلم بوجهة نظر مناقشك كاملة دون نقصان وإلا الخيانة والتبعية و..... هي النعت اللاصق والمناسب لوصفك. آفة الحوارات الجارية في مصر على قلتها الآن أنها تنطلق من هذه المعادلة الصفرية وكذلك الرؤية المستقبلية فكل فريق يرها خالية من مخالفيه الذين يجب عليهم إما التطبع مع أفكاره أو البقاء وفق ما يراه في المساحة التي يحددها هو وإلا أن يختفي من المشهد تماما ولا مانع أن يكون هذا بالسجن أو ما هو أكثر. والعجب أن يكون رؤيته أن التقدم للمستقبل يحجبه أو يعوقه وجود المخالفين له في الرأي في الصورة فأصبح التخلص منهم غاية ونهاية وموقف تيار الاستقلال في نقابة الأطباء هو خير توضيح فقد اعتبروا التخلص من سيطرة تيار بعينه على النقابة هو نهاية قمة النجاح لا يلزمهم بعدها أي عطاء كما صار التحالف مع أركان الدولة العميقة ورجال الأعمال من العهد البائد (بحسب تصريحات د. عمرو حمزاوي) من متطلبات النصر عليهم بغض النظر عن الفاتورة المدفوعة والتي في النهاية كانت وأد العملية الديمقراطية بالكامل. لا أبرأ أبناء التيار الإسلامي أيضا فهذا البلاء عم الجميع فأبناء التيار السلفي (من صلح نيته منهم) كان همهم الأوحد أن يستأسروا بأصوات الذين تذهب أصواتهم للإسلاميين تعاطفا. والتيار ككل كان أكثر المسئولين عن ضياع الزخم المصاحب ليناير 2011 برغبته في القيادة. هذا الزخم الذي يصاحب الأحداث الكبرى في تاريخ الأمم كان معقودا عليه الأمل في تغيير سلوك الشعب المصري الذي أتسم بالسلبية عموما وتحولت شخصيته عبر عقود من التهميش إلى طوابير من الناقمين والساخطين والذين ليس فقط لا يقدرون على المشاركة الإيجابية في صنع بلدهم بل أصبحوا معاول هدم بالنقد غير البناء وكثرة الشكوى والعويل وترديد الإشاعات الهدامة ولا أعتقد أن تدمير أي أمة يلزمه أكثر من ذلك فنحن ولا فخر لنا قدرة هائلة على التدمير الذاتي. من المعلوم أن الجميع كان على استعداد للتغيّر بعد يناير 2011 وكان من الممكن أن تطلب من الشعب الكثير فالتخلي عن الرشوة كمبدأ أساسي لأي تعامل مع الجهاز الحكومي أمر كان سهلا في لحظتها والصبر قليلا حتى يُعاد مراجعة البنية الأساسية للدولة وهياكل الأجور يمكن أن يكون مقبولاً كما كان من المقبول الدعوة للالتزام بالقانون والقواعد التي تصنع المجتمع الحضاري وتخليّنا عنها في سباق سعى كل فرد لإثبات علو شأنه الذي صار مقرونا بعدم انصياعه لأي قانون. كل هذا وأكثر كان ممكنا لولا أن البعض اشترط حدوث ذلك باعتلائه للسلطة وسعى لإفساد إي جهد حتى لا يتحقق ايّ نجاح للطرف الآخر ولو كان الثمن أن ندور في حلقات مُفرّغة حتى يُسلم له الشعب بأحقيته في تولى القيادة. أحد أسباب فقدان هذا الحماس هو طرح لقضية الهوية الوطنية في مقابل الهوية الإسلامية في مرحلة مبكرة من التكوين الجديد للدولة والذي أفرزه تصدر الإسلاميين للمشهد بعد عقود من فرض الحصار عليهم فكان حديثهم بينهم خاصة لا يفهم مفرداته كثير من العوام فضلا عن أن الخاصة تعاديه ومثال ذلك كان صارخا في اعلامهم الذي فشل إن يجتذب أحدا خارج دائرتهم بالإضافة بعد أن فقد مصداقية بالتورط فى نقل أحداث لم يتأكد من صحتها وزاد بالترخص فى التورية وما بعد عن الحقيقة بإذا به يغوص فى مستنقع منافسيه. صحيح أن الكثيرين خذلوهم عندما تحدثوا عن التوافق وأشتد التهكم على المرشح التوافقي في الإعلام إلا أن هذا لا يعفيهم من أن دعوتهم هذه كانت مرهونة بأن تكون تحت رعايتهم وكان يعوزهم حصافة الغنوشي والتي مكنته من المناورة والاحتفاظ بمكاسب حزبه بعد الخلاص من النظام القمعي وهو ما تعرضت إليه في مقالي (فرضية الدعوة ونافلة السياسة) الذي نشر عدة مرات. الأمر الآخر الذي عاب الإسلاميين عندما تصدروا المشهد أنهم تعاملوا مع التحدي أنه يخصهم وحدهم ولم يوقفوا كل إنسان على مسئوليته في المشاركة فعندما كان كثيرون معاول هدم لإثبات فشل تجربتهم استجابوا بأن قاموا بالعمل وحدهم (مثل في الرقابة على المخابز ومستودعات الغاز) مما أرهق القواعد في التنظيم. الإعلام الذي يخاطب نفسه والعمل على أن النهوض بالأمة هي علامة على سلامة التوجه ومن ثم فهي مسئوليتهم وحدهم كانت هي الطعنات التي وجهها الإسلاميين لأنفسهم وانعكست على الأحداث سلبا بالإضافة لحالة التربص التي انتهجتها الأطراف الأخرى التي فضلت فشل الإسلاميين على نجاح التجربة الديمقراطية. يبقى سؤالين هنا هل الأمور كانت تسير إلى الأسوأ فما صار كان شرا لابد منه (وهي النظرية التي يتبناها إناس ليريحوا ضميرهم بعد كل ما رأوا من ظلم وجور) والآخر هل الأمور تسير إلى الأحسن بعد يوليو 2013. بالنسبة للسؤال الأول فقناعتي الشخصية ظهور الإسلام السياسي على السطح كان كفيل بإحداث مراجعات بعد عقود من الانغلاق (لأن الانغلاق الفكري و هو الحادث لكل الجماعات الفكرية في مصر يؤدى إلى مزيد من البعد عن بقية الأطروحات الفكرية و السياسية للآخرين لأن الناس تستمع فقط لما يوافق رأيها فتظن أنه الأغلبية و تظن أنها على الحق أما التفاعل مع الآخرين و هو ما يفتقده الجميع في مصر الآن فيكسر من حدة الأفكار و يجذب الجميع إلى المنطقة الوسطية) و لا أجد دليلا على قولي إلا من ألد أعداء الإخوان و هو حسنى مبارك نفسه عندما نصح الإدارة الأمريكية بعد انتخاب حماس أن يعطوهم فرصة لأن الوجود في الحكم له معايير أخرى و سينتج عنه تغييرات (قد تكون جذرية) في الأفكار لكن الخوف على الجانب الآخر (مع عدم الخبرة السياسية من حماس) هو عجل بالمواجهة و هو نفس الشيء في مصر. أجزم أن كثير من التغيير كان سيحدث لأن جيل الشيوخ في الجماعة بعد عهود قضوها في عزلة إما إجبارية (في المعتقلات) أو اختيارية لم يكن ليرضى الشباب والذي بدا أكثر تفهما لبقية الطوائف وأعلم ذلك يقينا على الأقل في مجال الإعلام. السؤال الثاني أعتقد أن الكثيرين غير متفائلين و إن تعددت أسبابهم و أقول ما أعتقده و هو أن تفريغ الساحة من كل المعارضين الآن (بانعزالهم يأسا أو جبرا) هو بمثابة البعث الثالث للإخوان بعد أن يبقوا هم وحدهم المعارضون خصوصا بعد أن يتضخم اليأس بعد الآمال العريضة بالرخاء فور الانتهاء من أعداء الوطن (انظر تغير مواقف كثير من الليبراليين ليصبحوا أكثر تعاطفا مع الإخوان) و هذا يضر بالتنوع الفكري الذى يجب أن تكون عليه الساحة السياسية في مصر فالتنوع الفكري و التفاعل بين التوجهات المختلفة هي السبيل الوحيد لإثراء الحياة السياسية إما سياسة القائد الملهم و المستبد العادل و البلد اللي عايزة القادر الفاجر هي ما جعلت مصر في قاع الأم.