مرت الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير المجيدة، هذه الذكرى التى تمثل الكثير من المعانى لأغلب الشعب المصرى، فالكل كان ينتظرها، الأمهات اللاتى فقدن أبنائهن يترحمن عليهم ويدعُن لهم بالرحمة والمغفرة، والثوار يتذكرون الأيام التى مرت بهم فى الميدان، ولحظاتهم السعيدة والأوقات العصيبة والشعب يتذكر فرحته بالنصر وخلعه لمبارك وآماله العريضة التى بنيت على نجاح ثورته، ولكن هناك من كان حزينًا، وهم من يدعون (بالفلول)، فهم يرون أن قيامها ليس له مبرر، فالحياة تمضى ونحن مستورون والحمد لله على الستر والصحة، وما الداعى للتغيير؟ فالأمن مستتب والأجواء غير مستعدة لشطحات الجنون الشبابية، ولذلك أخذوا يحذرون الجميع من جرأتهم وإقدامهم على هذه الحركة غير المحسوبة، وأنه لا بد أن يأتى اليوم الذى يشعرون فيه بالندم على ما اقترفوا فى حق المخلوع، وأكد أحدهم أنهم سوف يجعلونها حرب شوارع ليتمنى بعدها الجميع عودة النظام البائد، بل والشارع كله سوف يجمع على مقولة واحدة يرددها بحسرة وألم ويعض على أنامله من الندم، قائلاً: "ولا يوم من أيامك". والآن بعد مرور ثلاثة أعوام، هل حقق أتباع مبارك ما يريدون وجعلوا الشارع المصرى يذكر مبارك وأيام مبارك ودولته البوليسية ويترحم عليها؟ هل نراهم وأدوا الثورة ولم يتركوا لنا منها غير الاسم، وأنا شخصيًا أراهم ما تركوا سوى الذكريات، وما دون ذلك أجهزوا عليها، حتى الأحلام اغتالوها، وجعلوها غير مشروعة، بل هى رجس من عمل الشيطان. ذكرى يناير لا بد أن تكون حادثًا عظيمًا، تقام لذكراه الاحتفالات ونستقبله بالزغاريد والأغانى والأمانى، ونفخر بكل جهد بذل، وكل قطرة دماء أريقت على أسفلت ميدان التحرير، وكل ميادين مصر، ونعرض الإنجازات التى حققناها فى هذه المدة، وكيف أصبح دخل المواطن المصرى بعد الثورة، ونكرم أمهات الشهداء ونضعهم فى مكانة مرموقة، لأنهن من أنجب من قمن بالثورة، فهن من جعلن أولادهن معبراً لكى يحقق الشعب من خلالهم حريته وكرامته. ولكن الذى يحدث اليوم فى الذكرى الثالثة بعيداً كل البعد عن كل ما كنا نتمنى، فالجميع يضع يده على قلبه، سواء مؤيدًا أو معارضًا، ويدعو الله عز وجل أن يحفظ البلاد من كوارث متوقعة، وانقسمنا فريقين وضاعت وحدة يناير ونسينا أهداف ثورتنا، وكأن ثورة يناير كانت قنبلة موقوتة أو مدبرة من أجل أن نعيش المشهد الذى نحن بصدده الآن، فهل كانت الثورة بفعل فاعل خارجى، أراد أن يجر البلاد إلى الويلات ويقضى من خلالها على الأخضر واليابس؟ فمع الكوارث التى نشاهدها نستطيع أن نقول إن الثمرة الوحيدة التى تحققت من هذه الثورة، هى الروح الجديدة التى تحلى بها الشباب المصرى الذى عرف وتأكد أنه كان يعيش فى كابوس قتل آدميته وإنسانيته وجعل آباءهم و أجدادهم قابعين تحت مظلة العبودية عهودًا وعهودًا، ولكنه بعد الثورة تنسم نسمات الحرية، فأقسم على عدم العودة للوراء مهما كانت التضحيات، ولكن في المقابل نجح من قالوا "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، فى أن يجعلوا الكثير من العوام، وأيضًا بعض من أذاقوهم الويلات فى أن يترحموا على أيام العبودية، لأنها كانت أخف وطأة وأقل قسوة مما نحن فيه وقادمون عليه. ندعو الله عز وجل من كل قلوبنا أن ينزل علينا رحمته ويتقبل شهداءنا قرباناً لمرضاته، فهل ذنوبنا كثيرة بالدرجة التى جعلت المولى لا يقبل لنا دعاء؟ وقد سمعت أحد الشباب يدعو الله عز وجل فى قنوته قائلاً: "اللهم خذ من دمائنا حتى ترضى". وشعرت بالخوف الشديد لهذا الدعاء وأريقت دماء كثيرة من المصريين ولم يرض الله عز وجل عنا إلى لحظتنا هذه، وأدعوه عز وجل سبحانه وتعالى بعزته وجلالته أن يعفو عنا بكرمه وجوده وعطفه ورحمته ويجعل هذا اليوم نهاية للدماء وبداية للأفراح وأن يلبس مصرنا الحبيبة رداء العزة والحرية وألا يسلبها حريتها أبداً، وأن تكون الذكرى الثالثة ذكرى النصر المجيد وتحقيق الذات، قولوا معى آمين من القلوب، وبكل قوة ليصل صوتنا إلى عنان السماء.